د. علي حسين باكير - القبس الالكتروني

بينما لا يزال الجدل محتدماً إزاء نتائج الانتخابات المتعلقة بمدينة إسطنبول، تتبادل السلطة والمعارضة الاتهامات بمحاولة الضغط على اللجنة العليا للانتخابات لإصدار قرار يميل الى أحدهما. ويعود للجنة العليا للانتخابات الحق الحصري والنهائي في الأخذ بالطعون المتكررة والمستمرة التي يقدّمها حزب العدالة والتنمية للتشكيك بالنتائج الأولية التي منحت الفوز لمرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، وهو ما يجعلها في موقف حرج.

وبموازاة ذلك تتحضّر الحكومة التركية لمواجهة المزيد من المتاعب على المستوى الداخلي والخارجي. الملف الاقتصادي يأتي على رأس جدول اعمالها ويشكّل التحدّي الأكبر خلال المرحلة المقبلة. اذ على الرغم من انّها نجحت في احتواء تداعيات الازمة الاقتصادية التي اندلعت منتصف العام الماضي، فانّها لم تستطع حل المشاكل البنيوية في الاقتصاد، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي في نهاية المطاف على وضع المواطن الذي عبّر بوضوح عن امتعاضه في الانتخابات البلدية الأخيرة لاسيما في المدن الكبرى.

مدركاً حجم التحديات على الصعيد الاقتصادي، يسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم الى معالجة الوضع بأسرع قدر ممكن. ولإعطاء انطباع بأنّ الحكومة جادة في هذا الجانب، سارع وزير الخزانة والمالية، براءت البيرق، الى طرح حزمة إصلاحات هيكلية في إطار البرنامج الاقتصادي الجديد على أمل أن يساعد ذلك على التخفيف من الأعباء الاقتصادية على المواطن. القطاع المصرفي سيكون محور أولى هذه الخطوات، حيث سيتم العمل على تعزيز رؤوس أموال البنوك الحكومية، كما من المتوقع ان تتناول هذه الإصلاحات قطاعات أخرى لاسيما الزراعة والصناعة. وبموازاة ذلك ستُبذل المزيد من الجهود لتعزيز قدرة القطاع السياحي على المساهمة في الاقتصاد المحلّي بمزيد من العملة الصعبة، لكنّ من الصعب الجزم بأنّ تنفيذ هذه الحزمة من الإصلاحات سيكون أمراً هيّناً أو مضموناً سيما مع ازدياد الضغط الخارجي الناجم عن تردّي علاقات تركيا مع عدد من اللاعبين لاسيما الولايات التّحدة.

وفي هذا السياق بالتحديد، تواجه تركيا خيارات صعبة على صعيد السياسة الخارجية مع تفاقم التوتر مجدداً مع الجانب الأميركي حيال الموقف من منظومة الدفاع الصاروخية الروسية «اس-٤٠٠». الولايات المتّحدة تضغط باتجاه حرمان الجانب التركي من الحصول على مقاتلات «اف-٣٥» إذا لم يتراجع عن صفقة «اس-٤٠٠» الروسية، وبهذا المعنى فان رسالة واشنطن لانقرة هي إمّا معنا أو ضدّنا. في المقابل، يحاول الجانب التركي الالتفاف على هذا الضغط تارة من خلال الإشارة الى أنّ قراراه بهذا الشأن هو قرار سيادي لا يحق لأي دولة التدخل فيه، وطوراً من خلال التشديد على رفض المعادلة الاميركية وابداء الاستعداد في نفس الوقت لشراء منظومة باتريوت.

وبين هذا الخيار وذاك، ينعكس الخلاف في العلاقات مع واشنطن مزيداً من الضغط على الوضع الاقتصادي وسط توتر منخفض في العلاقة أيضاً مع بعض الدول الاوروبية، وآخرها فرنسا وإيطاليا، وذلك على خلفية الموقف السياسي من القضية الأرمنيّة. ومع انّ علاقات تركيا بألمانيا وإنكلترا تحسّنت بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي، إلاّ أنّ العلاقة مع الدول الأوروبية الأخرى لا تزال غير مستقرة، ووسط تدهور العلاقة مع واشنطن، تصبح الخيارات التركية محدودة جداً على المستوى الدولي.

إقليميّاً، لا يزال الملف السوري يشغل الحيّز الأكبر من اهتمامات الجانب التركي دون أفق واضح حول ما ستؤول إليه الامور في منطقة شرق سوريا وادلب والاتفاق الثنائي مع الولايات المتّحدة حول منبج. ملف الغاز في شرق المتوسط والاستقطاب الحاد الجاري هناك من المتوقع له أن يزداد مع ازدياد الاكتشافات ما من شأنه أن يخلق حالة من التوتر المتصاعد لاسيما مع الانتشار العسكري المتفاقم في المنطقة، الأمر الذي قد يرفع من احتمالات الصدام نتيجة للحسابات الخاطئة.

موازاة ذلك، تشهد منطقة شمال أفريقيا تطورات متسارعة لاسيما في ليبيا والجزائر بالإضافة الى السودان، وتترك هذه التطورات انعكاسات على طبيعة الحكم وعلاقات هذه الدول بالخارج ومن بينها العلاقة مع تركيا. لكن وبسبب حالة الغموض في مسار التحوّلات السياسية هناك، فان الجانب التركي غير قادر هو الآخر على توقع مآلات هذه الأحداث. وتشير المعطيات الآنيّة الى أنّ الوضع لا يسير لمصلحته في ليبيا والسودان على الأقل حتى هذه اللاحظة، وهناك احتمال كبير في أن تُفضي التغييرات الداخلية والتدخلات الخارجية في هذه البلدان الى تراجع النفوذ التركي فيها، أو الى إشعال التنافس الإقليمي مجدداً مع عدد من الدول الإقليمية وهو ما يسكون على الجانب التركي التحسّب له خلال المرحلة المقبلة.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس