محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

بتنظيم مركز الدراسات الاستراتيجية (أورسام) وبالتعاون مع رئاسة المغتربين الأتراك، أقيم في العاصمة التركية أنقرة منتدى "الهجرة والشتات"، الذي عالج واحدة من القضايا الهامة الحيوية التي تهم الإنسان في مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستمر المنتدى يومي التاسع والعاشر من شهر تموز/ يوليو.

ألقيت كلمة الافتتاح من قبل رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية البروفسور أحمد أويصال، ثم عقدت الندوة الموسعة الأولى والتي أدارها الدكتور أمر الله إيشلر نائب رئيس الوزراء السابق وتحدث فيها عدد من الأكاديميين والمسؤولين السابقين ومنهم الدكتور ياسين أوقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، والذي أكد على أن الحرية التي تتمتع بها دول أوروبا في التنقل بحثا عن فرص عمل أو الاستقرار الملائم المناسب نتيجة الوحدة الاقتصادية الأوروبية والاتفاقات التي أبرمت بين دولها، كانت غير غائبة عن أحوال مناطقنا سابقا فقد كانت وحدة الأراضي الإسلامية لا تحوي أي حاجز مصطنع يمنع تنقل الأفراد نحو الأمل المنشود وللذين يبحثون عن مصدر رزق أو حلم للرفاهية المشروعة.

شارك في المنتدى أكثر من سبيعين أكاديمي وباحث يمثلون خمسًا وعشرين دولة.

وحيث أن موضوع المنتدى وهو مسألة الهجرة والثبات تهم كافة أطياف الشعوب على اختلاف مستوياتها الثقافية وتحصيل العلمي، فلا عجب أن يكون عدد البحوث التي أرسلت من قبل أصحابها لغرض المشاركة قد تجاوز 700 بحث من أكثر من ثلاثين دولة.

الهجرة ظاهرة قديمة قدم الحضارة الإنسانية، ورغم اختلاف طرقها وأسبابها طوعية أو قسرية، فإنها كانت تحتم الانتقال والهجرة نحو الشتات. فالهجرة انتقال أو تحوّل لفرد أو جماعة من دولة اعتادوا الإقامة فيها إلى دولة أخرى لا يحملون جنسيتها لغرض الإقامة فيها.

وتعد كلمتا الهجرة والشتات من أقسى الكلمات على الذين حملوا متاعهم للقصد ذاته، وأيضا تعد الحد الفاصل لعلماء الاجتماع والباحثين الذين يرون أنها انقطاع عن الجذور والبحث في أرض تحويهم تتوفر بها أبسط مقومات الحياة أو رفاهية منشودة، ورغم أنها في كل الحالات تعني الفرقة. فلو قلنا "عاشوا شتاتا": فهم متفرقون، "جاؤوا شتاتا": فهم متفرقون، "ذهبوا شتاتا": فهم متفرقون.

إن أهم مسببات الهجرة القسرية هي الحروب والصراعات المسلحة أو النزاعات الطائفية نتيجة العرق أو الدين أو المذهب، وبسببها يترك الأشخاص مواطن إقامتهم خشية فقدان الحياة والتعرض لإصابات أو أمراض أو مجاعات نتيجة تلك الحروب الخارجية أو الداخلية. وفي حال الابتعاد من مدينة إلى مدينة أخرى داخل الدولة نفسها يسمى هذا بالنزوح، وربما يكون مؤقتا أو لا يترك أثرًا في الإنسان، وهذا ليس مسار بحث المنتدى.

ركّز المنتدى على مسألة الهجرة من الأوطان إلى بلدان أخرى، وربما إلى قارات أخرى نتيجة الحروب والنزاعات في أقسى حالاتها، وربما للبحث عن حياة كريمة خالية من التعقيدات الطائفية أو النزاعات الفكرية المرتبطة بعمليات انتقامية تسلطية، وأحيانا أخرى تكون بالبحث عن الرفاهية.

إن حدوث ظاهرة الهجرة على نطاق واسع لا بد أن يكون نتيجة سبب قاهر بحيث تتحول تلك الظاهرة إلى آفة تصيب المجتمع ككل والأفراد معا للدول النازحة منها، وفي الوقت نفسه تصيب الدول النازحة إليها سواء أفرادا أو سلطات.

أصبحت ظاهرة الهجرة متيسرة بفعل العولمة والتطور الحاصل في وسائل الاتصالات الاجتماعية على مستوى العوامل الدافعة القسرية أو الطموح إلى الهجرة في البلاد المصدرة لها، وعوامل الجذب الموجودة في الدول المستقبلة للمهاجرين (كالإمكانات الاقتصادية، والحرية الدينية والسياسية، والأراضي الصالحة للزراعة، والعلاقات الأسرية... وغيرها).

ومن المواضيع الأخرى التي تناولها المنتدى مسألة المحافظة على الهوية الوطنية والقومية والعقائدية والارتباط بالوطن الأم، وغيرها من المواضيع التي تدور في فلك الهجرة والشتات والتهجير، وعلاقة الشتات مع المجتمعات، والشتات والإعلام، وكذلك الشتات والقوة الناعمة، والشتات والمواطنة، والشتات والتنمية الاقتصادية، والشتات والحروب/ السلام، والشتات ومنظمات المجتمع المدني، والشتات وريادة الأعمال، والشتات الاجتماعي والثقافي، والهجرة الدولية وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى كيفية استقبال المجتمعات الحاضنة للمهاجرين وتكيفهم معها، ومشكلات التكيف التي واجهتهم في بلدانهم الجديدة.

ومن الأكاديميين المشاركين في المنتدى، الأكاديمية الأردنية آيات جبريل نشوان من جامعة اليرموك، والتي قدمت دراسة وافية عن جانب مهم من جوانب الهجرة ألا وهو هجرة الأدمغة العربية أو "تصدير العقول" كما سمتها في بحثها الموسع.

كما شارك في الندوة السفير السوداني لدى أنقرة عصام متولي، الأمين العام لجهاز السودانيين بالخارج، حيث تحدث عن بعض جوانب عمل الجهاز. وأعقب ذلك السيد أحمد محمد أمين من موريتانيا الذي تحدث عن سياسة الهجرة الموريتانية وكيفية التعامل معها.

كما عالج المنتدى ظاهرة الهجرة غير الطبيعية التي تسببت بالكثير من المآسي الإنسانية وربما كانت سببا للكثير من حالات الوفاة نتيجة الغرق أو صعوبات الوصول والاجتياز، مع ذكر الأسباب والدوافع التي مهدت لتلك الظاهرة وكيفية معالجة وتقليل الأخطار والسلبيات التي تواجه المهاجر مع السعي لإدامة التواصل مع وطنه الأم.

وقد خصت بعض الدراسات والبحوث المقدمة دولًا بعينها، حيث توسع بعض الباحثين في تقديم المشكلة الوطنية التي تمر بها دولة وآثارها عليها نتيجة فقدان الكفاءات الأكاديمية والأيادي الفنية الماهرة الضرورية للمساهمة في بناء البلد، كما توضح ذلك في البحث الذي قدمته الدكتورة صابرين الجلاصي أستاذة علم الاجتماع في جامعة صفاقس في تونس والذي كان  بعنوان "الهجرة غير النظامية في تونس بين اضمحلال الهوية الدينية وغياب العدالة)، ورغم العنوان المختزل للبحث إلأ انها تناولت بإسهاب واقع الهجرة بكل تفاصيلها ومسبباتها ونتائجها وتأثيرها على المجتمع التونسي بصورة عامة وعلى الفرد التونسي خاصة، ورغم أنها أكدت على أن دور مؤسسات الدولة بكل اختصاصاتها ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر وبصورة رئيسية في تفشي ظاهرة الهجرة إلا أنها أعطت حق الطموح  للفرد للبحث عن الرفاهية المنشودة كجزء مكمل من مسببات ضعف إدارة الدولة لمؤسساتها، بمعنى أن وتيرة التقدم الاقتصادي والثقافي والتعليمي هي الباروميتر الذي يحدد أعداد المهاجرين بصورة عكسية تماما، حيث كلما ازدادت وتيرة التقدم واقتربت من مستويات الدول المتطورة تقلصت وخفضت الأعداد التي تطمح لمغادرة الوطن والعكس صحيح.

وعند انتهاء أعمال المنتدى عقد اللقاء الختامي الذي ترأسه الدكتور أحمد أويصال رئيس المنتدى ورئيس مركز أورسام، وحضره السيد مراد قازانجي مسؤول الثقافة والإعلام في رئاسة المغتربين الأتراك، والذي تمنى الموفقية للباحثين وشكرهم على حضورهم وتحمل مشقة السفر، ثم  قرئت التوصيات التي أقرها الباحثون وتليت من قبل  الدكتور أحمد أويصال رئيس المنتدى، والتي طالبت الجهات ذات العلاقة بإزالة كل مسببات الهجرة غير النظامية أو القسرية، وكذلك تفعيل الخطط اللازمة لإدامة التواصل بين المهاجرين وبلدانهم.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس