إدريس كارداش - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

إنّ الأشخاص المنتسبين إلى التنظيم الموازي لا يحملون في قلوبهم حب الوطن والشعب، ودليل على ذلك ما فعلوه من كشفٍ لأسرار الدولة المهمة، والتي تعتبر من محارم الدولة التي لا يستطيع أحد المساس بها. وقبل فترة قصيرة قاموا بالتنصت على اجتماع مهم جرى بين أهم شخصيات الدولة، ونشروا شريط التسجيل الذي قاموا بتسجيله بطريقة لم يتم الكشف عنها بعد، وكان هذا يتعلق بقضية سوريا ومستقبلها على أعلى المستويات. ولولا لملمة المسؤولين للوضع بعد نشر هذا التسجيل على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الأخبار ربما كان سيسبّب خطراً كبيراً على أمن الدولة وموقفها الثابت أمام القضايا الإنسانية في المنطقة.

يُحاول التنظيم بأعماله هذه توجيه الحكومة والدولة حسب ما يريده هو، ويمكن وصف هذا التنظيم بمجموعة غير محلية أي قوة إقليمية من خارج الوطن تستخدم بعض الخائنين المحليين لتحقيق أهدافها في المنطقة.

والسؤال المهم الذي يخطر على بال الكثيريين منا والذي يدهش المتابعين هو: كيف يكون التنظيم موجوداً ولا يستطيع أحد كشفه؟

سُئِل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في لقاء على إحدى القنوات التلفزيونية عن وقت الكشف عن وجود التنظيم الموازي في الوطن، فأجاب: "علمنا وأيقنّا بوجود التنظيم في أحداث 7 شباط/فبراير. ونحن نتحدّث عن تنظيم ليس متغلغلاً بثبات داخل الثغرات المهمة في تركيا وحسب، وإنّما هو يشكّل جناحاً لطرف من الأطراف الإقليمية، ولسنا أمام جماعة بسيطة. وظهر أيضاً أنّ هناك جناحاً آخر بجانب الجناح العسكري، ويتم العمل الآن على إذابته بشكل كامل".

يخشى رأس التنظيم من أن تُضرب بنيته الأساسية داخل "تركيا أردوغان"، ويخاف من أن يفقد السيطرة عليه نتيجة الكشف عن حقيقته يوماً بعد يوم.

قام "فتح الله غولن" في خطابه الأخير بدعوة مؤيدي الجماعة إلى دعم المرشح المشترك لحزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، "أكمل الدين احسان أوغلو". وهو حتى الآن يخاف من أن يعطي مؤيدوه أصواتهم لرجب طيب أردوغان، ويخاف من أن يصوتوا له في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي لم يبقى لها سوى أيام قليلة جداً. وهذا يبين لنا أن البنية التي كان يعتمد عليها بدأت بالانهيار.

أدّى دعاء فتح الله غولن بحرارة وبصوت عالٍ ضدّ الحكومة، في أحد خطاباته الأخيرة، إلى إظهاره على أنّه شخصية معارضة للحكومة والدولة وليس رجل دين. وتبيّن فيما بعد أنّ هذه التصرفات لا تعود على الجماعة بأي فائدة. ومع هذا كله، لماذا قام غولن بتكرار دعائه مرة أخرى مثل المرة الماضية؟

إنّ من المعروف حالياً أنّ للتنظيم تأثير في نقاط وأماكن عديدة. تقول بعض التحليلات إنّ للتنظيم جنوداً في هيكل القوات المسلحة التركية. والمسألة التي تخطر على البال في هذا الصدد، هي كيفية تصفية هذا التنظيم ومنعه من الانتشار، فمن الواضح أن التنظيم ليس فقط في مراكز أمن الدولة والمحاكم بل هو منتشر في كل مكان.

اتُّبعت استراتيجيات عديدة لتصفية التنظيم وإخراجه من الجيش، ويجب أن يتم هذا حسب الأساسيات القانونية. إننا نعرف والكثير يعرف التسهيلات التي كانت تتم لأفراد جماعة غولن في الدخول إلى الجهاز العسكري، وكيف كان يتم تجهيزهم وتدريسهم لأجل هذا، ولم يكن ذلك عبثاً. لقد تم الكشف عن الخلايا التابعة للتنظيم ضمن الجهاز العسكري، وسيتم التّخلص منهم بشكل من الأشكال، ولكن يجب اتّباع استراتيجية صحيحة لإتمام ذلك.

إنّ تحرّي العدالة أمرٌ مهم جداً على كافة النواحي، كان هذا في مسألة "الأرغناكون" أيضاً. وإنّ أي طريق خاطئ أو أيّ عدالة تحمل بداخلها هضماً للحقوق لا تسمى عدالة. الأكراد والضحايا في حادثة 28 شباط/فبراير والمتدينون يطلبون عدالةً حقيقة. وإنّ المحاكمات التي تُسبّب إيذاءً لأطراف بريئة تعبث بحساسية العدالة.

أما بالنسبة لحملات الاعتقال التي تّمت فإننا سنرى في الأيام القادمة تأثيرها بشكل أوضح. ولكن الكل كان يعلم أنّ الأشخاص الذين تم اعتقالهم كانوا يعملون لصالح التنظيم الموازي. وأنّ اعتقالهم كان تطبيقاً للعدالة.

يسعى التنظيم الموازي للسيطرة على توجّه الحكومة حسب ما يتماشى مع مصالحه، وهو يعمل بشكل منتظم جداً. إنّ أحداث التجسس والتنصت التي تمت، والترتيبة التي تمّت عليها دليل على هذا. مثلاً صدور أوامر التنصت من نفس الحاكم وترتيب آلية عمل الحاكم حسب ما يتناسب مع هذه الحوادث، يرينا التناسق في أعمالهم.

إنّ من الواضح أنّ المنتسبين لهذا التنظيم ليس عندهم شيئ من حب الوطن والشعب، وكل ما قاموا به في الفترة الاخيرة يثبت ذلك. وهم يقومون بهذا لتوجيه الحكومة حسب مطالبهم ومصالحهم وتوجيه الدولة حسب ما يخدم خططهم في المنطقة. ليس هناك من لا يعلم بعمل حركة غولن مع "سي آي إيه" في أفريقيا ووبعض الدول المسلمة الأخرى.

وفي الحقيقة، إنّ الضّغط على الاستخبارات التركية بشكل كبير في هذه الفترة سببه هذا الذي تحدثنا عنه. علماً أنّ الاستخبارات الآن وبعد مجهود كبير أصبحت مستقلّة بتركيا ولا تؤثر عليها أي تأثيرات جانبية، وخاصةً في القضية السورية التي هي من أكبر المسائل التي تعقّدت في أحداث الربيع العربي. إنّنا أمام مؤسسة لا يستطيع التنظيم والداعمين له من القوى الإقليمية إجبارها على التحرّك تحت أمرهم أو حسب ما يخدم مصالحهم. ولهذا فقد وجّهت الجماعة سهامها نحوها.

عن الكاتب

إدريس كارداش

المنسق العام لمنتدى الشؤون الدولية في جامعة "إسطنبول بيلغي"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس