الخليج أونلاين

لم يعد ممثل مسلسل الأكشن والحركة "مراد علمدار" هو بطل الشاشة الوحيد الذي يحمل روحه على كفه، في مغامرات بوليسية واستخبارية دولية متشابكة، لمواجهة أعداء الدولة في تركيا وخارج حدودها.

فمسلسل وادي الذئاب، الذي مضى أكثر من 10 أعوام على انطلاق أول أجزائه، صارت له دراما شبيهة غزت الشاشة الصغيرة والسينما في تركيا، لكن الخصوم هذه المرة لم يكونوا إسرائيل والاستخبارات الأمريكية ولا المافيا الدولية، بل الخصوم السياسيون المحليون لحزب العدالة والتنمية الحاكم.

الكيان الموازي في الدراما

منذ اشتعال أزمة الاتهام بالفساد في تركيا في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، وانكشاف سلسلة من عمليات الاختراق والتنصت التي مارسها الجانب المتنفّذ من جماعة رجل الدين فتح الله غولن داخل مؤسسات الدولة وضد آلاف من رموزها، ظهر على المشهد الإعلامي في تركيا حالة شحن واستقطاب غير مسبوقة في بلد منقسم أصلاً ثقافياً وأيديولوجياً.

وبينما أسفرت وسائل الإعلام المقرّبة من كل من الجماعة، والحزب الحاكم، عن انتمائها الفعلي، وجيّشت أدواتها أسلحة في معركة "الكيان الموازي"، استحضرت شركات الإنتاج التلفزيوني، المحسوبة على العدالة والتنمية، سلاح الدراما لخدمة وجهة نظرها في هذه الحرب.

قناة "ستار" عرضت، أواخر العام المنصرم، مسلسل "ردة فعل" (أو ريآكسيون بالتركية)، والذي قدّم في 13 حلقة، رواية العدالة والتنمية حول الأزمة مع "الكيان الموازي" في قالب درامي وحركي محكم، ركز على الصراع داخل مؤسستي الاستخبارات والقضاء، وجسّد محاولة الجماعة تنفيذ انقلاب على الدولة، عبر تخطيطها لخلق ثلاث أزمات أمنية وسياسية متزامنة، هي قتل أحد الوزراء خلال قيامه بعملية جراحية في المستشفى، واغتيال مستشار الأمن عبر إطلاق النار والأسلحة الثقيلة على سيارته، إلى جانب استدعاء رئيس جهاز المخابرات للتحقيق بتهمة الخيانة العظمى.

وفي حين ينجح الكيان الموازي، في المسلسل، باغتيال الوزير، فإن ذكاء مستشار الأمن ورئيس الاستخبارات يحول دون تحقيق مخطط الانقلاب، ويشكل الرجلان معاً كياناً خارج الدولة لتطهير المؤسسات من الاختراقات وعمليات التنصت، ويكشفان سلسلة من التآمر بين الجماعة ومخابرات أجنبية أمريكية وإسرائيلية وروسية، وعمليات تجسس وغسيل أموال وابتزاز غير شرعية.

المسلسل حقق نسب مشاهدة عالية، وأثار جدلاً في الأوساط الصحفية والسياسية، وصل في نهاية المطاف إلى القضاء، ما اضطر القائمين عليه إلى إنهائها باكراً، فقد كان يحمل إشارات غاية في الوضوح ضد شخصيات عامة، اختير لتجسيدها ممثلون يحملون صفات جسدية وملامح مشابهة جداً للواقع، كما اختيرت الأسماء أيضاً متشابهة.

في السينما أيضاً

أما هذا الشهر، فقد بدأت دور السينما التركية عرض فيلم "Kod Adı K.O.Z" الذي يقدم أيضاً رواية الأوساط المقربة من الحكومة لأحداث الفساد والتنصت التي اتهم فيها الكيان الموازي، لكن الفيلم ركّز أكثر على داخل جماعة فتح الله غولن، منتقداً وسائلها في استغلال الدين لجمع الأموال من الناس، وتجنيد الأتباع في مدارسها، والتجسس على حياة الناس الشخصية بهدف تجهيز ملفات لأغراض الابتزاز.

وقد صوّر الفيلم شخصية فتح الله غولن، بالإنسان الجشع الذي يقبع في ولاية بنسيلفينيا الأمريكية، ويمارس شخصياً عمليات الابتزاز وانتهاك الحرمات الشخصية ضد رجال الأعمال لنهب أموالهم، واختير لهذا الدور ممثل يشبه الرجل كثيراً في لباسه وهيئته، ويتحدث على طريقته.

وفي المقابل صوّر الفيلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالشخصية القوية المتواضعة والمحبوبة بين الناس، والذي يخوض حرباً يضع فيها روحه على كفه لحماية وطنه وشعبه، بعد أن بدأ الفيلم بنجاته من محاولة اغتيال داخل غرفة العمليات، تردد كثيراً في الأوساط التركية أنها رواية حقيقية، وانتهى بمشهد مفتوح، تُطلق فيه عدة رصاصات في محيط جامع السليمانية، حين كان أردوغان يؤمه للصلاة.

وما زال الفيلم، البروباغاندي بامتياز، يُعرض في دور السينما التركية، على الرغم من امتلاء مشاهده بالاتهامات والإساءة للعديد من الشخصيات المعارضة للحكومة، وكونه يستفز مشاعر الناس المتعاطفين مع جماعة فتح الله غولن.

وعلى الجانب المقابل، وفي مقاربة تثير العديد من علامات الاستفهام حول ما هو مسموح للجهات الإعلامية المقرّبة من الحكومة، لكنه ممنوع عن المعارضة، فإن رئيس قناة "سمان يولو" التركية المحسوبة على الجماعة، هدايت كراجا، ما زال معتقلاً في سجون الدولة على ذمة التحقيق بتهم تتعلق بالتشهير والتحريض الإعلامي، بعد أن بثت قناته قبل سنوات مسلسلاً يتهم جماعة دينية منافسة بالإرهاب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!