ترك برس

توفيت الدكتورة عائشة حُميرة أوكتان، ابنة محمود جلال الدين أوكتان، المؤسس الأول لمدارس إمام خطيب الثانوية، في المدينة المنورة عن عمر يناهز 95 عامًا، بعد أن كرّست أكثر من نصف عمرها لرعاية المرضى، ودفنت في ثرى المدينة المنورة.

وشارك الكثير من الأتراك رسائل تعزية في وفاة الدكتورة أوكتان، ومن بينهم السيدة الأولى أمينة أردوغان التي قالت عبر حسابها في تويتر:

"صعدت روح الدكتورة عائشة حميرة أوكتان، إلى بارئها، قضت حياتها بمواجهة الصعوبات بإرادة قوية وبإيمان راسخ وإرادة قوية مثل الفولاذ، فكانت خير مرشدة لنا جميعا، قدمت لمرضاها الرحمة واللطف قبل العلاج، وكانت مثالا للإنسانة الطبيبة المؤمنة. كرّست كل دقيقة في حياتها لخدمة الإنسانية. سنذكرها دائما ولن ننساها المؤمنة النقية المجتهدة التي عملت بتصميم وإصرار، تعازينا الحارة لعائلة أوكتان ولنا جميعا”.

ذكرها أيضًا الرئيس العام لجمعية الإمام خطيب كامبر تشال قائلا: "الدكتورة حُميرة أوكتان، قائد واسم مخلص. كان والدها الراحل محمود جلال الدين المؤسس الأول لمدارس الأمام خطيب، التي استمرت حتى يومنا هذا، كما لعبت دورا مهما في المجتمع، وبعد أن استنشقت هواء الأراضي المقدسة لم نرغب بالعودة إلى بلدها، وبدأت تعيش بين المدينة المنورة وإسطنبول، وكرست حياتها لدعم الفقراء. كانت عبدة صالحة لله وأمة صالحة لرسول الله، حفظ الله مكانتها”.

أعدت قناة TRT، لقاءً خاصًا مع  الدكتورة عائشة حميرة أوكتان، تروي فيه بنفسها قصة حياتها، تم عرضه على القناة بعد وفاتها، ومن الممكن متابعة قصتها عبر الإنترنت، ننقل منه مقتطفات عن حياتها.

قضت الطبيبة أوكتان حياتها في التضحية والعلم وخدمة الإنسانية، واشتهر اسمها في العالم الإسلامي، لأنها من أوائل خريجي الطب من البنات المحجبات في الفترة الأولى للجمهورية التركية.

عملت أوكتان طبيبة للعديد من العلماء ورجال الدولة، وقضت حياتها بالتعبير عن الحب والإخلاص، بأسفارها ما بين إسطنبول والمدينة المنورة، وكانت أول طبيبة تتوجه إلى المدينة المنورة باقتراح من الهلال الأحمر  عام 1953، وكانت تلك الرحلة نقطة تحول في حياتها لم تنفصل بعدها عن الأراضي المقدسة.

ولدت حميرة أوكتان، ابنة محمود جلال الدين أوكتان، عام 1925 في أتيكلي بمنطقة الفاتح بإسطنبول، كان والدها مدرسا من فئة العلماء العثمانيين، ثم مدرسا للغة العربية والفلسفة، ويعد من الرواد الأوائل في إنشاء مدارس الأمام الخطيب، ووالدتها محمودة هانم، أختها الكيميائية زوهيلة هانم، وأخوها من أهم رجال الفكر الأستاذ الدكتور سعد الدين أوكتان، وتزامنت حياة عائلتها مع أواخر العهد العثماني وأوائل عهد الجمهورية التركية.

درست في مدرسة ابتدائية بجوار جامع الخرقة الشريفة، ولفتت انتباه معلميها بالابتدائية بذكائها، ودرست الثانوية في مدرسة البنات في يافوز سليم بين 1938 و1941، ومهد نجاحها بتفوق في مراحلها الدراسية لالتحاقها بكلية الطب بين 1943 و1949، فقد قررت أن تصبح طبيبة بتشجيع من عائلتها بعد وفاة شقيقها متأثرا بمرضه، ثم تخصصت بقسم الباطنية. وتعد أول دكتورة محجبة في عهد الجمهورية التركية. عملت بعد تخرجها في مستوصف صاريير لمكافحة السل.

أول طبيبة تحجّ عن الهلال الأحمر

أثرت الحوارات التي كانت تدور فيما بينها وبين والدها العالم بتحديد هويتها الدينية والأخلاقية وفي تقوية إيمانها، الذي كان سببا لذهابها إلى الأراضي المقدسة في 19 آب/ أغسطس 1953، بتحفيز من أساتذتها في كلية الطب.

وأرسلت الوزارة المختصة رسالة إلى كلية الطب، تم تعليقها على جدار الكلية، كتب فيها:

"سيرسل طبيب إلى الحج هذا العام من كلية الطب"

كانت آنذاك مساعدة مجتهدة، للدكتور مفيد كاظم كولي، وسمعت أن هناك امتحانًا يُجرى للراغبين بالذهاب لأداء فريضة الحج، فسألها أحدهم ويُدعى المساعد ثروت باي: “دكتورة، سيرسل الهلال الأحمر طبيبًا إلى الحج، فهل تودين الذهاب؟”، فلم تستطع الإجابة من شدّة فرحها.

وعندما سألت أوكتان والدها هل يسمح لها بالذهاب إلى الحج، أجابها: “أنا لا أستطيع إرسال أولادي الكبار إلى هناك بمفردهم”، فلم تتمالك نفسها وبدأت بالبكاء، ثم أشفق عليها والدها وسمح لها بالذهاب.

أمضت الطبيبة أكثر من 57 عاما من عمرها في خدمة الإنسانية، وارتبطت بالمدينة المنورة منذ الوهلة الأولى، فكانت تطلب الذهاب إلى الحج كل عام لخدمة المرضى، كما أنها كانت أول طبيبة امرأة يرسلها الهلال الأحمر.

“كل العالم في جانب والمدينة المنورة في الجانب الآخر”

بالرغم من أنها ولدت وترعرعت في إسطنبول، كانت الطبيبة أوكتان تردد: "الحمد لله أنني ولدت في مدينة جميلة مثل إسطنبول"، وبالرغم من أن والداها أيضًا عاشا فيها إلا أنها ارتبطت بالمدينة المنورة إلى الأبد، وأشارت إلى ذلك قائلة: "تغيرت كل مخططاتي عندما زرت المدينة المنورة، وأصبح مكوثي بها من أهم أولوياتي. تعلق قلبي بها جدا، فكل العالم في جانب والمدينة المنورة في الجانب الآخر”.

توجهت أوكتان إلى الحج مرة أخرى مع والدها عام 1956 بسبب عشقها للمدينة المنورة، وتأثر أيضا والدها المعلم جلال بهذه الرحلة وقرر الاستقرار في المدينة عندما رأى نار شوق ابنته لها تلهب قلبها على حد وصفها، كما ألهبت قلبه أيضا.

حصلت حميرة أوكتان، على إقامة في المملكة العربية السعودية، وكانت تقضي تسعة أشهر وموسم الحج كل عام في الحجاز وثلاثة أشهر في إسطنبول منذ عام 1960، تعتني خلالها بالمرضى من كل حدب وصوب.

أمضت الطبيبة حياتها بالعمل الدؤوب المستمر، وكرست حياتها للمرضى، ولم تفكر بالزواج بسبب ضغط حياتها المليء بالتفكير بالمرضى والاعتناء بهم ولم تكن تجد وقتا لراحتها الشخصية، كما وهبت حياتها للمدينة المنورة التي تحبها و تعشقها، حيث قالت إنها كانت تلهج بالدعاء لعشرات الآلاف الذين تعرفت عليهم طوال حياتها. كانت مثالا للجد والاجتهاد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!