ترك برس

ليس هناك شك في أن التسميات تحمل رسائل ذات دلالات في عالم السياسة بشكل عام. إذ عمدت بعض الدول عبر التاريخ، إلى توجيه رسائل إلى نظيراتها عبر شخصيات أو أماكن أو أحداث تحمل مسمّيات ذات دلالة لكلى البلدين.

الأمر نفسه ينطبق على تركيا الشهيرة عنها وعن شعبها صلتهم الوثيقة بتاريخ بلادهم وأجدادهم، ويظهر ذلك جلياً في اختيار أنقرة لأسماء عملياتها العسكرية ومنتجاتها من الصناعات الدفاعية والتكنولوجية.

ومؤخراً تصدرت سفينة "أوروج رئيس" أو "الريّس عروج" حديث العالم عندما أرسلتها تركيا لإجراء مسح زلزالي وإجراء أبحاث في شرقي المتوسط الذي تحول إلى مسرح للتوتر والخلاف بين أنقرة وأثينا، بل وأوروبا بأسرها.

وفي هذا الإطار، اتجهت الأنظار إلى سر اختيار تركيا هذا الاسم لسفينتها التي أثار تواجدها في شرقي المتوسط جدلاً واسعاً في عالم السياسة.

صحيفة "ديلي صباح" سلطت في تقرير لها الضوء على شخصية "أوروج رئيس" وعلاقتها بتركيا والإمبراطورية العثمانية.

وبحسب التقرير فقد اشتهر "خضر خير الدين رئيس" الملقب بـ"بربروس" بنضاله ضد الإسبان في البحر المتوسط. وقام بجمع كل جنده وكنوزه وقواته البحرية، خاصة تلك الموجودة في الجزائر، ووضعها في إمرة السلطان العثماني.

وعندما عينه السلطان "سليمان القانوني" بمنصب أميرال البحرية، طلب منه أن يروي قصة حياته متضمنة سبب خروجه هو وإخوته إلى البحر والحروب التي خاضوها في البر والبحر صغيرها وكبيرها على الملأ. وبعد الاستماع إلى القصة قال السلطان سليمان: "أريدك أن تكتب قصتك الكاملة بالتفصيل في كتاب يتم تسجيله كوثيقة عن فترة حكمي".

وتم تكليف "سيد مرادي رئيس" بكتابة هذا الكتاب وهو أخ غير شقيق لخير الدين وبحار وشاعر ومؤرخ أيضاً. لم يستطع بربروس رفض أمر السلطان وأخبره قصة حياته كلها. وأضاف "سيد مرادي" المعلومات التي شاهدها بنفسه وسمعها من بحارة آخرين إلى هذه الذكريات وقدمها للسلطان. وهكذا، تم تخليد حياة "أوروج رئيس" شقيق خير الدين حتى يومنا هذا بكل التفاصيل التي نقلها شقيقه.

"الأب المساعد أوروج":

كان "يعقوب آغا" والد الأخوين بربروس، هو الوصي على جزيرة "ليسبوس" في عهد السلطان محمد الفاتح. وكان لديه أربعة أبناء هم من الأكبر إلى الأصغر: إسحاق، وأوروج، وخضر خير الدين، وإلياس. وكان إسحاق يعمل في "ليسبوس"، بينما كان أوروج وخير الدين يعملان في التجارة البحرية. وذات مرة هوجم "أوروج" من قبل "فرسان رودوس" وهو في طريقه إلى طرابلس للتجارة، وكان معه أخوه الأصغر إلياس. فقُتل إلياس أمام شقيقه، وتم القبض على أوروج وسجنه.

حاول خير الدين إنقاذ شقيقه بدفع فدية، لكنه لم يستطع. وعندما أوشك خير الدين أن يفقد الأمل، تمكن أوروج من الهرب. وقام بعد هذا الحادث، بتشكيل فرقة بحرية لمحاربة المعتدين تحت اسم "أوروج رئيس". وأدرك بعد هذا الحادث بأنه لا بد من تقويض هيمنة فرسان رودس والبندقية والإسبان في البحر المتوسط والقضاء عليها.

واستمر خير الدين بربروس في التجارة لفترة قصيرة ثم قام هو وأخوه إسحاق بالانضمام إلى أوروج وفرقته. وراحوا بدعم من حاكم تونس يقومون بأعمال عسكرية بحرية واسعة النطاق في البحر المتوسط.

وكانت تلك الفرقة بقيادة "أوروج رئيس" تمثل طليعة قوات "المغيرين" في الجيش. وكانوا ينتمون رسمياً إلى الدولة العثمانية.

كما انخرط الأخوان بربروس في عمليات عسكرية برعاية حاكم تونس وسلطان المماليك وسلطان الدولة العثمانية. وكان هدفهم ضمان السلامة البحرية في المناطق التابعة لهذه الدول وتطوير التجارة وحمايتها. لذلك، لم يشتبكوا مع السفن المدنية مطلقاً بل قدموا لها الحماية كي تبحر بسلام.

وحققت الفرقة البحرية "أوروج رئيس" العديد من الانتصارات في البحر المتوسط بفضل نجاحها في مواجهة السفن الحربية التابعة لجنوة وفينيسيا وفرنسا وإسبانيا، مما زاد في قوتهم وثروتهم. واشتهر الأخوان أوروج وخير الدين باسم "باربا روسا" أي أصحاب اللحية الحمراء باللغة الإيطالية، وكانا معروفين في جميع أنحاء أوروبا. وأُعطي لقب "بربروس" لأول مرة إلى أوروج ثم إلى شقيقه خير الدين.

وفي إحدى المعارك فقد أوروج رئيس ذراعه لكنه عاد بعد ذلك إلى البحر وشارك في المعارك مرة أخرى. وطارت سمعته أكثر عندما طرد الإسبان، المسلمين واليهود من البلاد ونقلوهم إلى شمال إفريقيا. واكتسب شهرة كبيرة وصار لقبه في العالم الإسلامي "الأب أوروج" بسبب المساعدة التي قدمها للمسلمين المحتاجين في إسبانيا.

كما دعا زعماء بعض القبائل والمدن العربية في شمال إفريقيا الإخوة بربروس، إلى المساعدة ضد حكام العرب المستبدين والغزاة الإسبان وغزاة جنوة. وأدى تجاوب أوروج رئيس وخير الدين رئيس مع هذه الدعوات، إلى قيامهما بإنشاء دول في شمال إفريقيا. وأسسوا ولايات في "بوجي" و"جيجل" عام 1513 وفي "شرشال" عام 1514 وفي الجزائر عام 1516.

(صورة يُعتقد أنها للريس عروج)

نهاية مأساوية:

قام أوروج رئيس بمساعدة شقيقه إسحاق رئيس، بالاستيلاء على مدينة تلمسان التي تعاونت مع الإسبان. لكن الإسبان سرعان ما أرسلوا قوة كبيرة إليها. ولم يتمكن خير الدين رئيس من مساعدة أخيه أوروج في هذا الهجوم. وبعد أشهر من الحصار، لم تسقط القلعة، لكن قرر كلا الجانبين إعلان السلام بسبب الخسائر.

إلا أن الإسبان نقضوا عهدهم وهاجموا المحاربين الذين يقاتلون مع أوروج رئيس على غفلة من أمرهم، مما أدى إلى استشهاد إسحق رئيس وجميع الجنود الذين كانوا معه في هذا الهجوم المفاجئ.

وما كان من حاكم تلمسان الذي شجعته الخسائر الفادحة إلا أن جمع قواته وحاصر القلعة.

قاتل أوروج رئيس مع رفاقه ليل نهار. ولكنه أدرك أخيراً أنه لا مفر من الهجوم على القلعة بالقوة. وقام مع عدد قليل من رفاقه المتبقين بمهاجمة القلعة وتفريق قوات الحصار.

إلا أن قوةً إسبانية قوامها 45 رجلاً تبعتهم بمساعدة بعض البدو. فهربوا وظلوا لأيام هاربين دون ماء ولا طعام، وتمكنوا من الوصول إلى مسافة 100 كيلومتر من تلمسان. واستشهد أوروج رئيس على يد أحد الضباط الإسبان واسمه "غارسيا دي تينيو" على حافة نهر "ريو سالادو".

وتم فصل رأسه عن جسده لإثبات قتله، وأرسل الرأس المقطوع إلى إسبانيا في كيس مليء بالعسل. مما أفرح الملك الإسباني جداً لدرجة جعلته يكافئ "غارسيا دي تينيو" ويقيم الاحتفالات.

وسمع خير الدين رئيس أن إخوته استشهدوا وأنه بقي وحيداً. فانطلق مع أسطوله البحري، وأنهى الحكم الإسباني في الجزائر والإمارات الأخرى، وضمها تحت حكمه. وفي عهد السلطان سليمان القانوني، قدم الجزائر كلها هدية للدولة العثمانية. وعندما تم تعيينه قائداً للبحرية، بعد الانتصار في معركة" بريفيزا"، بدأت هيمنة الدولة العثمانية على البحر المتوسط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!