راسم أوزان كوتاهيلي – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

قام اردوغان العام الماضي بتعزية أحفاد الأرمن على ما جرى لآبائهم وأجدادهم بعد الحرب العالمية الأولى، متمنيا" أن يرقد الأرمن الذين فقدوا حياتهم خلال الظروف التي عصفت بالمنطقة في مطلع القرن العشرين، بسلام "، معرباً عن تعازيه القلبية لأحفادهم.

وأعرب  اردوغان -رئيس الوزراء التركي آنذاك- عن أمله وإيمانه بأن تتمكن شعوب هذه المنطقة القديمة الأصيلة والمتميزة، والتي تمتلك عادات وتقاليد مماثلة، من التحدث عن ماضيها بشكل ناضج، وأن تستذكر جميع أبنائها الذين فقدوا بشكل يليق بهم جميعاً.

***

كانت رسالة اردوغان تلك بمثابة تحطيم لآخر المحرمات والمسلّمات التي ورثناها من تاريخ الجمهورية التركية، وهو بذلك أسقط وحطم قضية تحريم الحديث بمأساة الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى، لكن ما يقوم به البابا والبرلمان الأوروبي في هذه الأيام، ربما يهدفون من خلال إلى استفزاز تركيا مجددا، حتى تقوم بردة فعل كما كانت تفعل تركيا القديمة.

ونحن إزاء ذلك لا يمكننا أنْ نُهمل كل التصريحات القادمة من الخارج تجاه هذه المسألة، وما قاله رئيس الوزراء داود أوغلو مؤخرا فيما يتعلق بقضية الأرمن كان صائبا جدا، فرسالة التعزية التي أرسلها اردوغان العام الماضي كانت فوق المثالية، وإنْ دلت فإنما تدل على عظم تركيا وترفعها عن الصغائر، وكان هذا ما يفرضه الضمير والعدالة، وما قام به الاتحاديون في ذلك الزمن من قتل وفاجعة بحق الأرمن يجب أنْ نعزي عليه الأرمن كلنا باسم الشعب، ولقد أثبت اردوغان أنه زعيم فوق العادة ولا يأبه للمسلّمات.

كان النظام السابق في تركيا يخاطب كل فئات الشعب برغم أنه لا يحظى بشعبية كبيرة، وكان يُجمع كل فئات الشعب حول قضية الأرمن، وأصبحت من الثوابت التي لا يمكن النقاش حولها سواء من المتدينين أو الملحدين أو العلويين أو الأكراد أو السنة أو غيرهم من فئات الشعب، حيث أصبحت قضية الأرمن قضية قومية.

لكن في المقابل، كان الأمر مماثلا لدى القوميين الأرمن وخصوصا المهجرين منهم، ولذلك تجد هؤلاء القوميين الأرمن قد انزعجوا جدا من رسالة التعزية التي أبرقها اردوغان العام الماضي، كما انزعج القوميون الأتراك، لأن اردوغان كان يُفسد بذلك مخططات الفاشيين المتطرفينمن الطرفين، وكذلك كان يُفشل ألاعيب المخططات الاستعمارية الغربية تجاه تركيا.

قام اردوغان بتحطيم آخر مسلّم من مسلّمات الجمهورية التركية، ووضع آفات الاتحاديين في التابوت عام 2014، ولن يحيد اردوغان ولا تركيا عن هذا الطريق، وما تبقى الآن هو نقل هذا التابوت ودفنه تحت التراب.

هذا ما سنعيشه خلال الفترة القادمة، وسنعيش أيضا بعض المشاكل والتوترات والآفات التي تراكمت في تاريخنا خلال القرن الماضي، لكن الأهم هو أنّ الشعب الذي يجب اردوغان ويحترمه، يؤمن بقدرة هذا الشخص على تجاوز كل الصعاب كما فعل خلال الأعوام الماضية، فاردوغان هو زعيم قائد لشعبه، قادر على إقناعهم بما هو مطلوب لتطور بلاده وقيادتها نحو مستقبل مزهر، ولهذا فإنّه لا يمكن لأحد أنْ يحل المشكلة الكردية ولا الأرمنية سوى اردوغان، وقد كتب العام الماضي ما يلي:

"الكل منا يشكو مما فعله الاتحاديون أواخر العهد العثماني وبداية تأسيس الجمهورية، لكننا في نفس الوقت نشعر بالانتماء إلى هؤلاء الاتحاديين، وما دام أنّ هذه الحقيقة المُرّة، وهذا التناقض لم يتغير، سنبقى نعاني من تبعات ذلك بكل أسف".

نعم، اليوم يجب كسر هذه الحلقة المفرغة، وتعديل هذا التناقض في انتمائنا ومشاعرنا وأفكارنا، واردوغان سيكسر تلك المسلّمات التي جاءتنا عبر الأنظمة السابقة، أنا واثق من ذلك.

عن الكاتب

راسم أوزان كوتاهيلي

كاتب في صحيفة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس