ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

تساؤلات خمسة في هذا المقال بدأت قبل إعلان جو بايدن المرشح الديمقراطي رئيسا منتخبا للولايات المتحدة الأمريكية، وتنتهي بتساؤل قبل ساعات من تنصيبه في الحفل الدستوري في ظل احتمالات بحدوث مفاجأة مع تنامي العنف في الأيام الماضية ما دفع وزارة الدفاع إلى إنزال ما يزيد على الــ 21 ألف عنصر من عناصر الحرس الوطني لتصبح واشنطن ثكنة عسكرية برسم دول العالم الثالث صاحبة براءات اختراع الانقلابات العسكرية، وذلك على خلفية تحذيرات من مكتب التحقيقات الفيدرالية بمخططات من مجموعات يمينية بإثارة الفوضى و إحداث تفجيرات وترتيب اغتيالات لشخصيات كبيرة لإفشال تنصيب بايدن.   

ماذا لو فاز بايدن؟

قبل أشهر كان السؤال المطروح دوما.. ماذا لو فاز بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، والسؤال هنا ليس على مستوى العلاقات الخارجية وتأثير كل ملف من الملفات الساخنة في البقع المشعلة أو ملفات الملوك والرؤساء الذين ربطوا مصائرهم بالرئيس الجمهوري أو هؤلاء الذين يحلمون بوصول الرئيس الديمقراطي للخروج من وطأة الجمهوري الذي ضغط على مصالحهم واستنفدهم وقلل من شأنهم بعد أن عاملهم بما لم يعتادوا عليه من الرؤساء الجمهوريين السابقين، فالكل يحلب لكن مع حفظ المقامات، فالتاجر الجمهوري المحب للاستعراض والذي وجد في حلبات المصارعة الحرة مساحة للتألق ورسم صورة ذهنية للأمريكي الأبيض القوي المسيطر والمحفور في مخيلة الشعب بأدبياته وثقافته لطالما كان يعاملهم بطريقة أذهبت عنهم هيبتهم، فحلموا بمساحة للحركة واستعادة بعض من الهيبة التي فقدوها، وكان الحلم بوصول بايدن رغم أن الرجل لا يفضل دكتاتور، ولا يسكت عن قاتل أو متورط، وكان السؤال استشرافي لا استفهامي، ماذا لو فاز بايدن؟    

ماذا بعد اقتحام الكونجرس؟

بعد أن أصبح بايدن رئيسا بالصندوق، لا يزال التشكيك مستمرا برغم انتهاء كل الإجراءات القانونية، ولا يزال يروج لفكرة التزوير وسرقة أصوات الناخبين لمصلحة بايدن، ولقد رأى المراقبون أن كلمة ترامب كانت تحريضية يوم السادس من يناير أججت غضب أنصاره ونواتهم الصلبة من اليمين المتطرف ما دفعهم إلى اقتحام الكونجرس أثناء جلسة إقرار نتائج الانتخابات، وبحسب المعلومات المتداولة فإن الخطة كانت خطف رئيسة مجلس النواب ونائب الرئيس وإثارة الرعب في المجلس لخلط الأوراق، وهو ما أكدته الأحداث السابقة على اقتحام الكونجرس، والمتمثلة في التفجير الذي وقع صبيحة أعياد الميلاد وسط مدينة ناشفيل، وكذا إحصاء عمليات شراء السلاح بشكل هستيري بعد إعلان خسارة ترامب، كل ذلك تبعه دفع محموم باتجاه محاكمة ترامب والذي أفلت منه في السابق، وقع في فخه هذه المرة بعد سيطرة الديمقراطيين على الغرفتين في الكونجرس، هذا غير تلك القضايا التي فتحت له قبيل الانتخابات والمتمثلة في التهرب الضريبي، وهو ما يعني أن ترامب قاب قوسين أو أدني من أن يحقق رقما قياسيا في موسوعة أرقامه القياسية ليكون أول رئيس أمريكي يواجه احتمالية السجن، ولما كان الرجل من نوعية شمشون فلا يمكن استبعاد هده المعبد عليه وعلى أعدائه، وهو ما يفتح باب الاحتمالات على مصراعيه.       

كيف يتم التداول الرئاسي في أمريكا؟

عقب أدائه صلاة الجمعة الأسبوع الماضي أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات للصحفيين تمنى فيها انتقالا سلسا للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، قد يحمل البعض تصريحات أردوغان على محمل التهكم، لكن الواقع الذي عاشته أمريكا يوم السادس من يناير 2021 يجعل أكبر المتفائلين متخوفا، مع ذلك فإن الدستور الأمريكي لم يترك فرصة لإعاقة الانتقال الرئاسي في واحدة من الدول الأقدم ديمقراطيا، وراعية مبادئه في العالم.

عام 1963 صدر قانون (انتقال السلطة الرئاسية) والذي ينظم الانتقال السلس للسلطة بين الرئيس المنتهية ولايته وبين الرئيس المنتخب، وعلى الرغم من أن الانتقال الرسمي للسلطة يبدأ في العشرين من شهر يناير إلا أن ذلك لا يمنع من أن المرشح يتمتع بإحاطات سرية من الأمن القومي الأمريكي، ويحق له الحصول على خدمات ومرافق انتقالية رئاسية تقدمها إدارة الخدمات العامة، ما يعني أن المرشح محاط بالدولة لحين إعلان النتائج، وللمرشح أن يختار فريقه المعاون وعلى رأسهم نائبه، صاحب المهمة الأخطر في عملية الانتقال الفعلي للسلطة، أما باقي الفريق والذي يشمل جميع التخصصات في الغالب فدوره تطوير تعهدات الرئيس المنتخب إلى سياسات وتشريعات بمجرد تنصيبه رئيسا، وتعتبر المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس المنتخب هي الأهم، إذ يظهر فريقه مدى جديته في بلورة الوعود إلى حقائق بخطط وسياسات تعلن على الرأي العام، وهو ما يعلنه الرئيس في خطاب حالة الاتحاد الأول له، ما يعني أن فريق عمل متكامل هو من يقوم على إدارة الدولة حتى في حالة غياب الرئيس.  

ما هو التعديل الـ25 الشهير وما هو التعديل الــ 20 في الدستور الأمريكي؟

حالة غياب الرئيس هي الحالة التي تناولها التعديل الــ 25 من الدستور، والذي أفرزته الحاجة بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي ومعاناة سلفه الرئيس أيزنهاور من نوبات قلبية كبيرة، ويسمح التعديل الــ 25 لنائب الرئيس بأن يصبح قائما بأعمال الرئيس، حتى نهاية المدة الرئاسية، إذا عجز الرئيس عن أداء مهامه، لأي ظرف أو تم عزله، وهي المادة الأشهر التي دار حولها الجدل خلال الأيام الماضية، والتي سعى الديمقراطيون لتفعيلها للتخلص من ترامب، لكن المادة الــ 20 من التعديل الدستوري تفصّل الأمر أكثر وتضع سيناريوهات حتى لحالة قتل الرئيس قبل توليه مهام عمله في البيت الأبيض، فإذا غاب الرئيس سواء بالمرض المفضي إلى الموت أو بالقتل يقوم نائب الرئيس بأداء المهمة ، فإن غاب، فإن رئيس مجلس النواب يخلفه فإن غاب يقوم بمهام رئيس الجمهورية رئيس مجلس الشيوخ، كل ذلك والفريق الرئاسي يقوم بمهامه وفق الخطة والوعود التي على أساسها تم انتخاب الرئيس ونائبه، لحين إجراء الانتخابات. 

لماذا تعد أمريكا أم الديمقراطية رغم ما حدث؟ 

قد يكون التفصيل السابق في المادتين الـــ 25 والـــ 20  من التعديل الدستوري في الولايات المتحدة الأمريكية لا تجعل أمريكا أماً للديمقراطية كما يحاول البعض وصفها، لاسيما بعد تلك الأحداث الدامية التي أظهرت همجية شريحة ليست بالصغيرة من الشعب الأمريكي كما وصفهم نواب البرلمان أنفسهم بعد اقتحامهم بيت الديمقراطية وقدس أقداسها، ويرد البعض بأن كل ما جاء في المادتين المذكورتين ذكر في كثير من دساتير بلادنا، حيث تنص جل هذه الدساتير على انتقال السلطة إذا ما غاب الرئيس لأي ظرف، دون تعديد هذا الظرف بالطبع، فالرئيس في بلادنا لا تعروه العوارض، فلا يمرض ولا يموت ومن المستحيل أن يقتل، في أذهان مريديه ورجال الشرطة والمخابرات، ومن ثم هو أبعد عن مجرد أن يحلم بتغِيُبه مواطن عادي، لكن بالنظر إلى التعديلات المشار إليها في الدستور الأمريكي، نجد إستراتيجية قمة في الروعة ساقها المشرع الأمريكي من منطلق حسه الواعي بمفهوم العمل الجماعي، وتأصيل معنى العمل المؤسسي، فتقديم الرئيس فريقه الرئاسي الذي يسهر على تنفيذ وعوده وتحويلها إلى سياسات وقوانين وقرارات اتحادية ومن ثم العمل على تطبيقها، وانتخاب نائب للرئيس في نفس ورقة التصويت على الرئيس، ترسخ لمفهوم نفتقد إليه في بلادنا، فالرئيس ليس إلها ولا نصف إله، والناخب لا ينتخب شخصا ولكن مشروع له مبادئه ورؤيته وأهدافه بخططه الإستراتيجية والتشغيلية وفرق عمل مساعدة تسخر فيها إمكانيات الدولة بالكامل للوصول للأهداف التي على أساسها انتخب الرئيس والتي تتبلور في جملة واحدة .. خدمة الوطن والمواطن، هذه القيمة التي سعت الثورات، التي يمر عليها هذا العام عشر سنوات، لتطبيقها، فهل نحتاج عشر أخر حتى نرى نظاما يعمل من أجل شعبه، لقد حفظت الشعوب الدرس ويبقى إفهامها للحكام.        

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس