علي نور كوتلو - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

تلك الليلة،

كانوا يدافعون عن الحرية برغم درجة الحرارة العالية في القاهرة ، يدافعون عن العدالة، عن إرادتهم التي عبروا عنها بصناديق الاقتراع. 

كان ميدان رابعة العدوية الذي احتوى حشدا جماهيريا لم يسبق له مثيل في تاريخه يبكي كل ليلة. الناس هناك كانوا من فقراء مصر، من التعساء، من المظلومين، من المضطهدين المهمّشين، كانوا من أصحاب الحقوق المغتصبة. هم مدنيو مصر الأكثر إيمانا، الأكثر مقاومة في تاريخها.

كانوا يكرهون السيسي الذي اغتصب ديمقراطية عمرها سنة واحدة، السيسي الذي اغتصب حريتهم، والذي حبس رئيسهم وقادتهم. كانوا يبحثون عن حقوقهم في ذلك الميدان دون اللجوء غالى العنف.

بنيّتي الحبيبة، إنهم كانوا إخوتك.

هم بعيدون عنك ولكنهم كانوا قريبون منا كقربك أنت منا. بعضهم كان اسمه فاطمة، بعضهم زينب، بعضهم رابعة، أحمد، محمد، علي، لكن القاسم المشترك بينهم هو أنهم جميعا إخوتك.

تلك الليلة،

بينما كان بعضهم في الخيام يحاول الاستيقاظ ، وبعضهم كان يقرأ القرآن، بينما كان يتحدث بعضهم ويتسامر آخرون سمعوا أصوات الدبابات المرعبة. لم يبزغ الفجر بعد، لم يدخل وقت الصلاة، ولم تستيقظ الإنسانية بعد. لم يصدقوا أصوات التفجيرات، لم يعرفوا أزيز الرصاص. من ذعرهم لم يستوعبوا أصوات العربات المدرعة.

في تلك الليلة أطلقوا النار على إخوتك يا صغيرتي. 

أطلقوا النار على الأجسام الغضة، على الأرواح الشابة، على براعم الزهور، في تلك الليلة. هرب اخوتك إلى خيامهم، لكنهم أشعلوها بمن فيها. لجئوا للمسجد، بيت الله، ركضوا إلى مكان سجودنا لله، لكنهم قصفوا المسجد. ركضوا نحو منتصف الميدان، احتضنوا بعضهم البعض، لكن الرشاشات الآلية مسحت الميدان كله.

تلك الليلة،

يا صغيرتي، لم يكن هناك أي مكان آخر يلجئوا إليه، فأطلقوا النار عليهم جميعا في ذلك الميدان.

لا تنسِ أبداً بنيّتي،

تلك الليلة قنصوا إخوة لكِ لا يعرفون اسمك لكنهم قريبون منكِ بدرجة قربي أنا منكِ. لم تستيقظ الإنسانية، الضمائر صامتة، والعدالة غائبة.

تلك الليلة،

اغتالوا كل قيم كان يتغنّى بها الغرب، اغتالوا الديمقراطية وحقوق الإنسان وكل المبادئ العالمية. لم يعترض أحد.

تلك الليلة،

قتلوا أبناء الأمة، بدعم من بعض الدول التي تسمّي نفسها اسلامية.

لا تنسِ أبدا بنيّتي. لو نسي الجميع أنتِ لا تنسِ. اكبري مع قراءة قصة أسماء، اكبري بقراءة رسالة والدها.

لا تنسِ أبداً بنيّتي،

نحن مسلمون وجزءٌ من الأمة. إذا كان طرف منا يتألم في سوريا، أو في فلسطين، أو في العراق، في تركستان الشرقية أو في إفريقيا فلا تنامِ مرتاحة أبداً.

تلك الليلة،

إخوتنا لم يموتوا بل استشهدوا، وأحيوا أرواحهم من جديد. فشعلة حبنا للأمة احترقت داخلنا بشدة تلك الليلة.

لا تنسِ أبداً بنيّتي

عن الكاتب

علي نور كوتلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس