ترك برس

نشر الدكتور، فيليب دورول أستاذ العقيدة في كلية ووفورد الأميركية، كتابه "علم الكلام الإسلامي في الجمهورية التركية" (ISLAMIC THEOLOGY IN THE TURKISH REPUBLIC)، والذي يسلّط فيه الضوء على أفكار العقيدة التي طبعت الجمهورية التركية وصلتها بالسياق الفكري والاجتماعي والسياسي للحداثة.

الكتاب الذي صدر عام 2021، عن دار نشر جامعة أدنبر، يعدّ مُحاولة لفهم التراث الإسلامي العقدي التركي في الزمن الحديث، ويحومُ حول ما يطلقُ عليه دورول "علم الكلام التركي الحديث"، والمرتبط بالإيمان بالله الواحد في سياق الحداثة.

يسعى الكتاب لتقديم إجابة عن سؤال: ما الآثار المترتبة على الإيمان بـ"التوحيد" في العصر الحديث؟ أو ماذا يعني الإيمان بـ"التوحيد" في سياق الفكر الاجتماعي الحديث أو الفكر السياسي الحديث؟

 

وفي إطار معرفة المزيد عن الكتاب ومحتواه، حاورت "الجزيرة نت"، الكاتب دورول، وطرحت عليه عدداً من الأسئلة حول كتابه. ومن بينها تأثير "علم الكلام التركي" على العالم العربي.

 وفيما يلي جانب من الحوار المذكور:

* ما دلالات مصطلحات الإيمان والتوحيد في العصر الحديث بتركيا؟

ظهر علم الكلام الإسلامي الحديث في تركيا أواخر العهد العثماني وأوائل الفترة الجمهورية، تقريبا في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقود الأولى من القرن العشرين. خلال هذه الفترة من التاريخ التركي، كان للمادية العلمانية تأثير كبير على النخبة الفكرية والسياسية، هذا يعني أن وجود الله وقيمة الدين نفسه كانت موضع تساؤل وتحدٍّ عند نخبة المجتمع التركي؛ لذلك سعت الأشكال الحديثة الأولى من علم الكلام الإسلامي في التاريخ التركي إلى تجديد وتنشيط المناهج الدينية لعلم الكلام بشكل إبداعي، من أجل الدفاع عن وجود الله وإظهار أهمية الدين والتراث الديني في العالم الحديث.

هذا الشكل من علم الكلام هو الذي وضع الأساس لعلم الكلام التركي الحديث بشكل عام، والذي يُمكنُ أن نطلق عليه "علم الكلام الجديد"، وأكثر من جسد هذا التيار هو الفيلسوف إسماعيل حقي إزميرلي (1869-1946). فوفقا لإزميرلي، يمكن استخدام الدرس الفلسفي الحديث لتنشيط مناهج علم الكلام التراثية من أجل الحفاظ على حيوية التراث الإسلامي في العالم الحديث، كما جادل بأن مفتاح هذا البحث الفلسفي يجب أن يكون قائما على التوحيد.

* أشرت في كتابك إلى أن سبب العودة إلى العقيدة الماتريدية في تركيا، مردّه جذور أبي منصور الماتريدي التي تعود ربما لشعوب تركية. هل هذا يعني أن علم الكلام التركي قائم على القومية؟

كانت هناك نقاشات كبيرة حول "عرقية" الماتريدي، وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر. وحتى نكون دقيقين، فإن علماء الكلام الأتراك المعاصرين يعتقدون أن الماتريدي (السمرقندي المتوفى عام 333 للهجرة)، جزء أساسي من التراث الثقافي التركي، لأن لعمله أثرا كبيرا على الناطقين بالتركية داخل المجتمعات الحنفية مثل الدولة العثمانية.

إحدى الحجج التي يقدمها كتابي هي أن السياق القومي لتركيا الحديثة مكّن من إعادة احياء أعمال الماتريدي، لأن السياق القومي شجّع على إعادة اكتشاف التراث الثقافي التركي، لكن هذا لا يعني أن علم الكلام التركي الحديث قائم على القومية.

وعلى العكس من ذلك، فنظرا لأن علم الكلام التركي الحديث متجذر في المصادر التراثية مثل الماتريدية، فهو متجذر في التنشيط الحديث للتراث الكلامي الذي تطور قبل فكرة القومية بفترة طويلة.

* أشرت إلى أن إحياء الأفكار الكلامية الماتريدية داخل علم الكلام التركي المعاصر جاء لمعالجة مجموعة واسعة من القضايا الكلامية، والتي شملت العلاقة بين العقل والنقل وصولا للعلاقة بين الدين والدولة، وارتباطها بالهوية القومية والثقافية التركية. هل يمكنُ أن توضح هذه الفكرة؟

تأسس علم الكلام التركي الحديث على التراث الفكري العثماني، والذي يتكون من نصوص تراثية متطورة جدا، ويشمل جميع تخصصات علوم الدين. أحد الأهداف الرئيسية لعلم الكلام التركي الحديث هو إعادة اكتشاف وتفعيل هذه النظم الموجودة داخل العلوم الإسلامية في السياق الحديث.

وتتمثل إحدى الحجج الرئيسية في العقيدة الماتريدية في كون أن حكمة الله متجسدة في تصميم الكون بالطريقة التي تسمحُ للعقل البشري بإدراكها، وهو أمر يتيحُ بلوغ الدليل القاطع على وجود الله.

علاوة على ذلك، تناقش العقيدة الماتريدية وجود علاقة متناغمة وشائجية بين العقل البشري والوحي الإلهي والسنة النبوية؛ لذلك يرى المتكلمون الأتراك المعاصرون أن التراث الماتريدي مفيد في توضيح أهمية المعتقد الديني وممارسته في العالم الحديث الذي يفترض أحيانا أن الدين لا يتوافق مع العقل البشري والتوجه العقلاني.

* سقوط الخلافة العثمانية وإقامة دولة حديثة وطنية أثّر في البنى الاجتماعية للمجتمع التركي، هل هذا التغيير في المجتمع هو الذي غيّر نظرة تركيا إلى الدين وبالتالي نظرتها إلى العقيدة الإسلامية؟

أثّرت التحولات الاجتماعية والسياسية التي حدثت أثناء الانتقال من الخلافة العثمانية إلى الجمهورية التركية بشكل كبير في تشكيل علم الكلام التركي الحديث. إحدى الحجج التي يقدمها كتابي في هذا الصدد مرتبطة بأن التجربة التي يوفرها التغيير الاجتماعي السريع، هي التي دفعت المتكلمين الأتراك المعاصرين إلى التفكير بشكل مكثف في المسائل الطارئة والمتغيرة على التراث الإسلامي، والمرتبطة بقيمة الدين والتراث وعلاقته بالعالم الحديث.

علاوة على ذلك، فإن علم الكلام التركي الحديث مكتوب بلغة جديدة تماما، فاللغة التركية الحديثة التي لم تكن موجودة قبل بداية القرن العشرين، لهذه الأسباب أود أن أقول إن علم الكلام الإسلامي في تركيا متناغم مع لغة الحداثة.

* هل ترى أن هناك سردية عقدية من قبل المتكلمين الأتراك حديثا؟

أعتقد أن تتبع تاريخ الدعم الذي حظي به حزب العدالة والتنمية يجعلنا نلمسُ مدى تعقده. ففي سنواته الأولى، تمتع الحزب بدعم واسع جراء الانقسامات السياسية التي شهدها المشهد السياسي التركي، لكن على مدار العقد الماضي تقريبا، انقسم الرأي العام التركي بشدة حول حزب العدالة والتنمية، حيث حظي بدعم نصف البلاد، بينما عارضه النصف الآخر.

كما أنني لا أعتقد أن جميع المسلمين الأتراك لديهم رؤية عقدية واحدة، وعندما أقول "علم الكلام التركي الحديث" فأنا أشيرُ بذلك إلى مجموعة مشتركة من الأسئلة والاهتمامات، بدلا من مجموعة من الإجابات الذائعة.

* ذكرت الباحثين: حكمت كوجامنير، وأحمد تي كورو، ونجاتي بولات، وهم أكاديميون أشاروا إلى أن الفترة بين 2011 و 2013 شهدت تحولا حاسما في منهج حكم حزب العدالة والتنمية، وهو تحولٌ متناغمٌ مع العلمانية والدولة الحديثة. ألا يمكن اعتبار أن منطق الدولة الحديثة كفيلٌ بتغيير ما يتفاعلُ معها؟

من المؤكد أن الدولة الحديثة تؤثر على كيفية تجربتنا جميعا في العالم الحديث، سواء في السياسة أو الهوية الجماعية أو الأخلاق وما إلى ذلك. لكني في المقابل أرى من الصواب الاعتقاد كذلك أن أولئك الذين يهيمنون على مفاصل الدولة يتحملون مسؤولية استخدام تلك القوة المبثوثة في الدولة أخلاقيا، سواء تعلق الأمر بالعلمانيين أو الإسلاميين، وهو السؤال الجوهري الذي طرح على الأحزاب التركية الحاكمة سواء كانت علمانية أو إسلامية منذ مطلعِ الجمهورية التركية، والذي يمكن تكثيفهُ في: "هل يتم استخدام سلطات الدولة الحديثة بطرق أخلاقية؟"

* كيف أثر "علم الكلام التركي" على العالم العربي؟

أعتقد أن هذا أيضا سؤال معقد للغاية، كما أشرنا أعلاه، فإن حقيقة أن حزب العدالة والتنمية قد دعم دائما نسخة معينة من العلمانية، تعتبر أمرًا طبيعيًا جدًا في السياق التركي، ولكنها في بعض الأحيان تعدُ أمراً مثيراً للجدل في الأوساط السياسية المحافظة خارج تركيا مثل جماعة الإخوان المسلمين.

أعتقد أن العديد من الحركات السياسية الإسلامية المحافظة على مستوى العالم قد نظرت إلى حزب العدالة والتنمية كنموذج يحتذى به، لكنني أعتقد أيضًا أن من المهم أن نتذكر أن حزب العدالة والتنمية -مثل جميع الأحزاب السياسية- هو نتاج سياق أفرزه بلده الأم. بعبارة أخرى، لا يمكن لأي حزب سياسي أن يقدم نموذجًا عالميًا لجميع السياقات.

لهذا السبب، أعتقد أن من المهم دراسة اللاهوت التركي باعتباره شيئا متمايز عن السياسة التركية، يوفر المجال العقدي بشكل يتجاوز فيه المجال السياسي، وصولا إلى أفضل إجابات عالمية وأسئلة عالمية. والمفكرون الأتراك الذين استكشفوا المجال اللاهوتي على وجه الخصوص لديهم الكثير ليعلمونا إياه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!