أمين بازارجي – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

كان رئيس الجمهورية التركية، ورئيس مجلس الأمن القومي، وقائد الأركان و غيرها من المناصب التي كان قد تقلدها. بمعنى أنه كان الرجل الأقوى والأقدر في تلك المرحلة، وربما لم يتأكد قرار المحكمة النهائي بحقه، لكن كل رتبه سقطت وتهاوت، حتى دُفن و توارى بالتراب يوم أمس.

بدأتُ حياتي المهنية كصحفي محترف في فترة الرئيس إفرن، وفي تلك الأثناء لم أكن متابعا جيدا لما يدور في أنقرة و خارج البلاد. وحينها فكّرتُ باستغراب "ما الذي أستطيع أن أكتبه عنه" و صدّقوني لم أجد شيئا إيجابياً أكتبه.

وهنا أضع بين أيديكم أول ما تبادر على ذهني اليوم عندما أردت الكتابة عن "كنعان إفرن":

عندما بدأت الديمقراطية الغضّة بخطواتها الأولى، أطل علينا بانقلابه في 12 أيلول/سبتمبر عام 1980. وفي تلك الأثناء كنت أعمل في وكالة أنباء أك (Akajans)، وبعد فترة قصيرة بدأت مرحلة الرجولة (الخدمة العسكرية)، وقد اخترت أْنْ أتقدم لفترة قصيرة وهي 8 أشهر حتى أعود للكتابة بسرعة، ومن حسن الحظ أني فعلت ذلك.

أنهيت خدمتي الأولية في معسكر "أماسيا"، وحصلت على لقب عريف بكل جدارة. وبعدها جمعونا في الساحة و بدؤوا ينادوننا كلٌ باسمه، وكنت في مجموعة من 8- 10 أشخاص. لكن ما لبث أن علمنا أننا "موقوفون"، أتعلمون ما معنى "موقوف"؟ لقد سلبوا مني حقي في أن أكون عريفاً ولم يُعطونا السلاح، وزادوا من آلامنا و بقيت بلا حيلة. لم يعطونا فراشا ولم يوفروا لنا مكانا للمبيت، وحينها قضينا ليلتنا على أسطح "الباطون" البارد، الذي تصل درجة حرارته لأقل من سالب 10.

وكان من "الموقوفين" سابقاً "عفّان غونغور" الذي شاركته بالفراش، وأنقذته من عذاباته. ولاحقاً علمت كم أنا محظوظ، عندما أخبرني "عفّان" بمأساته، فلقد علمت منه أنه تم نزع رتبته كضابط بعد أن أمضى أكثر من 20 شهراً في الخدمة العسكرية، بينما نجوت أنا بـ8 أشهر.

في تلك المرحلة كنت قد قطعت وعداً على نفسي أن أستمر في مهنة الصحافة والكتابة. وفي هذه اللحظات كانت الدعاوي القضائية مستمرة على كل من حزب الحركة القومية والمنظمات القومية في محكمة أنقرة العسكرية. أثناء الاستجواب كان أحد المتهمين يتكلم عما واجهه من صعاب و عذابات.

في ذلك اليوم تم استئناف جلسة الاستماع، في البداية تحدث عن التعذيب الذي تعرض له و من ثم أجهش بالبكاء، فتدخّل قاضي المحكمة وعرض عليه تأجيل الاستجواب. قال "لا"، وهو مُجهشٌ في بُكائه خرجت من شفتيه هذه الكلمات:

قالوا لي "لن نحرمك من متعة رجولتك" وبدؤوا يضربونني بالعصي! لقد عشت أصعب أيام حياتي. وانطلقت حينها صرخة مدوية من بين الحاضرين من أقربائه بـ "يا أعداء الدين"، وقد علقت بأذهاننا إلى يومنا هذا.

كان مُصممو ومُنفذو الانقلاب يقومون بممارسة سياسة تعكير الأوضاع المستقرة في السجون، فاليساريون و القوميون موجودون في نفس القسم. وفي أحد الأيام، وعلى غير العادة، تم توزيع "كوكاكولا" علينا، لم يفهم أحدٌ لماذا. فقد كان مُديرو السجن يحتفلون. لنكتشف أنه في ذات الصباح تم إعدام كلٌ من "بهلفان أوغلو" و "أردال أران" بحبال المشانق. ضجت الأقسام بالخبر، فردوا عليهم السجانين "صحة وعافية"، لقد علّقنا أصدقائكم بالمشانق. و في نفس اليوم تعانق اليساريون و القوميون و هم ينتحبون ويبكون.

هل كان هذا كل شيء يا تُرى؟

طبعاً لا، عندما نقول "كنعان إفرن"، يتبادر في ذهني المغدورون أثناء التعذيب، والمُعاقون، والرجال الذين فقدوا ذكورتهم، وعاشوا بلا أولاد إلى الأبد.

نعم، أنتم على حق، ربما تتساءلون، هل هذا ما يجب كتباته عنه بعد موته؟ في الحقيقة هذه أول مرة أكتب مثل هكذا مقال، لكن ماذا أفعل، فما بيدي حيلة، فهذا ما صنعته أفعاله، فمفرداتي لم تحمل له شيءٌ آخر.

عن الكاتب

أمين بازارجي

كاتب في جريدة أقشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس