ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

قلق غربي على وضع المرأة بعد وصول طالبان 

بعد دخول حركة طالبان العاصمة الأفغانية كابل، وهروب الرئيس الأفغاني منها، عمت مشاهد فوضى وتزاحم الآلاف بهدف مغادرة أفغانستان، خوفا من حكم الحركة الذي جربوه في الماضي ويرفضون العيش تحت إمرته مرة أخرى، الفئة الأكثر رعبا من هؤلاء الفارين هي فئة النساء، فالتجربة بالنسبة لهن مُرة، ومن لم تعش التجربة فقد سمعتها ممن عاشتها، أو من وسائل الإعلام التي فتحت استوديوهاتها لسرد قصص النساء مع طالبان. 

الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهتهما لم يقصرا في الإعراب عن قلقهما المتزايد بشأن وضع النساء في أفغانستان بعد وصول طالبان إلى كابل وسيطرتها على كامل البلاد، وطالبا الحركة بتجنب ما وصفوه بكل أشكال التمييز وسوء المعاملة تجاه النساء ودعيا الحركة إلى الحفاظ على حقوقهن، ولم تخرج تلك المخاوف على شكل تصريحات فردية من مسئولين في الجهتين، بل نظما بيانا مشتركا وقعت عليه 18 دولة،  ما يظهر بالغ قلقهم على النساء الأفغانيات، وحرصهم على حقوقهن، وهم في ذلك يشكرون.

وتضمن البيان توجيه الحركة للمحافظة على حقوق النساء في التعليم والعمل وحرية التنقل مؤكدين على أن النساء يستحققن العيش بأمان وكرامة، إلا أنهم لم يفوتوا فرصة فرض الوصاية من خلال بيانهم بقولهم أنهم سيراقبون عن كثب كيف ستضمن الحركة الحقوق والحريات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة النساء والفتيات في أفغانستان على مدار العشرين عاما الماضية!

المرأة في تركيا في ظل الجمهورية التركية

لقد عاشت المرأة في أفغانستان الحرية الكاملة على حد وصف البيان المشترك للاتحاد الأوروبي وامريكا، فهل عاشت المرأة التركية نفس الحرية في ظل الجمهورية التركية؟

سؤال يجب أن يفرض نفسه، فالمرأة التركية في ظل الجمهورية التركية لبست أفضل الثياب وكان لها الحرية في التعليم والتنقل وكانت محفوظة الحقوق مصانة الكرامة، لكن ذلك لم يبتدع مع قدوم الجمهورية، بل هو امتداد لقيم المجتمع التركي صاحب أكبر وأطول حضارة في العصر الحديث، ما زاد على نساء الجمهورية تشببهن بالغربيات ولبسهن الملابس الغربية من أفخم بيوت الموضة الباريسية، حتى أن تلك البيوت نقلت نشاطها إلى العاصمة الجديدة وإسطنبول لتكون بالقرب من زبائنها، ما زاد عن ذلك أن الأحزاب التي أفرزتها الجمهورية بدأت شيئا فشيئا ترى أن الحضارة الحقيقية والتمدن المأمول للمرأة التركية هو ذلك اللباس، فبدأت تدعو إلى أن تتحضر النساء وتقلدن النساء الغربيات وأصبح غير مقبول أن ترتدي المرأة التركية غير هذا اللباس، حتى لا ترتد البلاد وتعود إلى حقبة الجهل والتخلف، حتى صار المنع من العمل في الدوائر الحكومية للجمهورية الجديدة المنطلقة نحو التمدن يفرض نفسه، فمن غير المعقول أن تحتضن الدولة بين جدران مؤسساتها رموز التخلف فمنعت النساء المحجبات، غير المرتديات للباس التمدن الغربي من العمل في الدوائر الحكومية مع انطلاق الجمهورية وحتى عام 1950 حيث تنامى الرفض للحجاب في أبعد من الدوائر الحكومية فشمل المدارس والجامعات والمستشفيات وتم حصار الحجاب، وبعد انقلاب 1980 قنن منع الحجاب بقرار يستند إلى علمانية الدولة، وضيق على المحجبات وطردن، لكن المرحلة الأصعب جاءت بعد انقلاب عام 1997 أغلقت العديد من مدراس الأئمة والخطباء الدينية، وطُردت المحجبات من الجامعات والعمل، وتم الاعتداء بالضرب على العديد منهن في الشوارع والكليات، حتى وصل الحال أن عوقب الجنود الذين لديهم اخوات أو أمهات محجبات، وبحجة منح الحرية الحقيقية للنساء المغيبات والموضوعات تحت سلطوية الرجال، تم إنشاء ما عرف باسم (غرف الإقناع)، وهي غرف تتعرض فيها المحجبات لأبشع أنواع التعذيب النفسي والعصبي حتى يتم إقناعهن بخلع الحجاب، وإلا فإن قرار منعهن من الدراسة سيكون نافذ في حقهن.

لماذا لم يقلق الغرب على المرأة التركية فترة ما قبل أردوغان؟

تقول نوراي بزيرجان: (لم يتبق لي سوى امتحان واحد لأتخرج من كليتي، وأنا في قاعة الامتحان أنتظر البدء باستلام أوراق الأسئلة، دخلت علينا الشرطة وأخبرونا أن ننزع حجابنا أو نغادر القاعة، وحاولت بكل قوة أن أقنعهم بأنها حرية شخصية وتوسلت لهم لتركي فإنه أخر امتحان ولو لم أخضه سيضيع مستقبلي، فكان الإصرار منهم غريب، نزعت بعض الطالبات حجابهن وتركت أخريات القاعة. 

أما أنا، والكلام لنوري بزيرجان فرفضت تنفيذ الأوامر، فاقتحم القاعة عدد كبير جداً من العساكر والصحافيين القاعة. أخرجوني بالقوة بل واعتقلوني. وبعد اعتقالي عرضوا علي أن أختار تهمة كي أوقع عليها إما انتماء لتنظيم إرهابي، أو أي تهمة أختارها كي أكون ضيفة عليهم في السجن.

قصة نوري بزيرجان لم تنته، فبعد سنوات تزوجت بزيرجان وكانت على موعد مع الطبيبة لمتابعة حملها، فتصادف في الشارع الذي سلكته باتجاه الطبيب، مرور مظاهرة كبيرة للمحجبات، لاحقتها الشرطة وهي حامل، وهجم عليها عدد كبير من أفراد الشرطة وضربوها في الشارع، على الرغم من أنها لم تكن مشاركة في التظاهرة إلا أنها نالها ما نال أغلب من شاركن في تلك التظاهرة، وكانت النتيجة أن فقدت نوري بزيرجان جنينها.

والسؤال للاتحاد الأوروبي بدوله التي لم تكن قد تجمعت تحت مظلتها في بروكسل، لكنها كانت مهتمة بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة على وجه الخصوص، والسؤال أيضا للولايات المتحدة الأمريكية، راعية الحقوق والحريات في دستورها الأشهر وبنضال منظريها من السود والبيض، أين كانوا جميعا، من وضع المرأة التركية في تلك الحقبة، ولماذا لم يقيموا الدنيا على جنين نوري بزيرجان، ولماذا لم يفرضوا عقوبات على تلك الحكومات الانقلابية أو حتى يصدروا بيانا كذلك الذي صدر من أجل المرأة الأفغانية رجما بغيب مستقبلها مع طالبان؟

والإجابة متروكة لكل عاقل واع يرى في القيم المزيفة التي يبشرنا بها الغرب عقيدة يجب الإيمان بها، أما الناظر لتلك القيم فيجدها تطبق في بلادهم وتتخذ ذريعة في بلادنا للتدخل في شئوننا الداخلية لفرض الوصاية، أما نحن فعندنا من القيم والمبادئ ما قد استوعب كل الأديان وكل الأعراق وكل الجنسيات تحت رايتنا وعقيدتنا وقيمنا بسلام وما كانت لتخرج بعض هذه العرقيات بالمطالبة بحقوقها إلا بوسوسة تلك الدول.

وضع المرأة في تركيا أردوغان

في زي عسكري مهندم وبخطوة عسكرية منضبطة ومع ترديد الخريجين الجدد الهتافات الحماسية والأناشيد الوطنية سار طابور العرض لضباط الأكاديمية العسكرية بجامعة الدفاع الوطني أمام المئات من الأهالي الذين حضروا ليشاركوا أبنائهم فرحة التخرج بحضور رئيس الجمهورية ووزير الدفاع ورئيس الأركان، قبل أن يهدأ صخب الهتافات ليعلن مقدم الحفل عن أسماء أوائل الدفعة، وكلما نودي على أحدهم، تقدم خطوة للأمام عن الصف، حسب التقاليد العسكرية، ليستلم دبلوم التخرج ونوط التكريم.

واحدا تلو الآخر يتقدم الضباط ويرتفع معه تصفيق الأهل والأحباب والجمهور، حتى نادى مقدم العرض على الضابط موبيرا أوزتورك.. وتتجه الأنظار نحو الصف المتراص لتتقدم بكل ثقة وقوة وثبات بنت في العشرينيات في زيها العسكري الكامل، وتزيد عليه غطاء للرأس، تؤدي أوزتورك التحية العسكرية على أحسن ما يكون لرئيس الأركان، يشار غولار، فيبادلها التحية العسكرية، ويقدم لها شهادة تكريمها على تفوقها أثناء سنوات الدراسة لتلتقط عدسات الكاميرات هذا الحدث التاريخي الذي استطاعت به تركيا أردوغان أن تعيد للمرأة التركية مكانتها وتضع الموازين القسط بين أفراد المجتمع التركي في دولة القانون والعدالة التي طالما حلموا بها.

موبيرا أوزتورك، الضابطة المحجبة الأولى التي تتخرج من جامعة الدفاع الوطني وتحصل على المرتبة الخامسة على أقرانها من الذكور والإناث في المدرسة الحربية البرية، وأول من يؤدى لها التحية العسكرية من أعلى الرتب العسكرية في الجيش التركي، هذا الجيش الذي طالما نبذ الحجاب والمحجبات وأقصى الضباط الذين لديهم في عائلاتهم امرأة محجبة، نحن بلا شك نعيش دولة جديدة، دولة يحترم فيها الإنسان من أجل إنسانيته، ويقدر فيها الموهوب على موهبته ويكرم فيها المتفوق على تفوقه من غير إقصاء ولا تهميش.. إنها تركيا الجديدة التي أسسها أردوغان. 

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس