ترك برس

ناقش تقرير لشبكة الجزيرة، انعكاسات التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الأتراك، والتي أثارت مخاوف لدى أوساط اللاجئين السوريين، من إعادتهم إلى بلدهم الذي يشهد حرباً منذ عام 2011.

التقرير الذي يحمل توقيع الكاتب سعيد الحاج، تطرق إلى تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قال فيها إن بلاده بدأت تشهد "تعاونا أفضل من المجتمع الدولي بشأن إعادة اللاجئين بشكل آمن إلى بلادهم"، وإنها أطلقت "مبادرة تعاون مع دول الجوار" التي تستضيف السوريين"، وهي لبنان والأردن والعراق.

وفيما يلي النص الكامل للمقال:

استضافت تركيا الموجة الأولى من السوريين في نيسان/أبريل 2011، واستمرت بذلك لسنوات طويلة وصل معها عددهم إلى ملايين، بعد أن كانت التقديرات الأولى لا تتخطى 100 ألف. ورغم أن تركيا ما زالت تتبنى رسميا سياسة الباب المفتوح؛ فإنها عدلتها منذ سنوات، وباتت تفضل دعم النازحين داخل الأراضي السورية لأسباب داخلية وخارجية عديدة، في مقدمتها ضغط المعارضة التركية ومحاولة النظام وداعميه تحويل ملف اللاجئين لورقة ضغط عليها.

ولذا، تعلن تركيا مؤخرا أنها غير قادرة على استيعاب موجات جديدة من اللاجئين، وحاولت أكثر من مرة الضغط على دول الاتحاد الأوروبي بهذه الورقة، ولا سيما في ظل التهديدات المستمرة للنظام بعملية عسكرية واسعة في إدلب التي تضم زهاء 4 ملايين إنسان.

بيد أن ملف السوريين المقيمين في تركيا -الذين لا يحملون رسميا وقانونيا صفة "لاجئ" بل يندرجون تحت بند "الحماية المؤقتة"- تحول في السنوات الأخيرة لورقة مزايدات بيد المعارضة تجاه الحكومة التركية، بما يشمل حملات تحريض عليهم بين الحين والآخر.

وفي 2019، ساد تقييم لدى بعض الأوساط أن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد خسر بعض البلديات -وفي مقدمتها بلدية إسطنبول الكبرى- لأسباب ترتبط بالوجود السوري فيها. ولذا، فقد عمدت الحكومة منذ ذلك الوقت إلى تخفيف الاحتقان الداخلي عبر تشجيع العودة الطوعية للسوريين إلى الشمال السوري وإلى ضبط الواقع السوري على أراضيها بما يتعلق بمكان الإقامة والتنقل بين المحافظات، وهو أمر تعرضت على إثره للنقد أحيانا، واعترفت في أحيان أخرى ببعض الأخطاء والتجاوزات التي حصلت خلال تنفيذه.

3 متغيرات

وبالعودة لتصريح وزير الخارجية التركي حول تنسيق دول الجوار وزيادة دعم المجتمع الدولي لتركيا فيما يتعلق بالسوريين، يمكن رصد 3 متغيرات رئيسية.

الأول دولي، يتعلق بالمخاوف الدولية -وخصوصا الأوروبية- من موجات لجوء كبيرة من أفغانستان تحديدا بعد الانسحاب الأميركي وسيطرة طالبان على مقاليد الأمور هناك. وقد تبدت هذه المخاوف عبر عدة أشكال من بينها عرض الدعم على بعض الدول الإقليمية -ومنها تركيا- لاستيعابهم ومنع توجههم للقارة الأوروبية، وهو ما رفضته تركيا بشكل رسمي ومعلن.

والثاني إقليمي، مرتبط بمسار الحوار والتقارب والمصالحات بين مختلف دول الإقليم، وهو مسار كان له إرهاصاته مؤخرا، لكن خطواته تسارعت كثيرا مع الإدارة الأميركية الجديدة وبعض توجهاتها المقلقة بالنسبة لدول المنطقة، ما دفع الأخيرة لإعادة النظر في بعض التوجهات والسياسات. فكانت سلسلة من الحوارات واللقاءات التي كانت مستبعدة ومستهجنة في سنوات سابقة بين أطراف الاستقطاب الإقليمي، وقد وصل ذلك ذروته في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس/آب الماضي وما تبعه من تطورات.

وأما الثالث فعامل محلي تركي، ومرده اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع عقدها في 2023، في ظل تصاعد انتقادات المعارضة للحكومة في ملف السوريين، وكذلك حملات التحريض ضدهم والتي تقودها بعض الشخصيات المعارضة تحديدا.

وعليه، وفي ظل المتغيرات الثلاثة سالفة الذكر، يطرح السؤال نفسه بوجاهة حول مدى تغير موقف الحكومة التركية بخصوص اللاجئين، وما إذا كان هناك مسار إقليمي يدفع بهذا الاتجاه.

والإجابة عن هذا السؤال وفق المعطيات الحالية هو لا، ليس هناك متغير كبير في الموقف التركي على وجه الخصوص وبدرجة أقل الموقف الإقليمي، لأسباب عديدة.

ففي المقام الأول، ليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها دول جوار سوريا حول ملف اللاجئين المقيمين على أراضيها. فقد عقد وزراء خارجية الدول الأربع -تركيا والأردن والعراق ولبنان- اجتماعات بهذا الخصوص في سبتمبر/أيلول 2019 بنيويورك، وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه في جنيف. وبالتالي فمجرد الحديث عن حوار وتنسيق لا يعني بالضرورة حصول تغيُّر جذري في المواقف.

وثانيا لأن تغيرا دراماتيكيا بخصوص اللاجئين السوريين -ولا سيما على صعيد عودة أعداد كبيرة منهم- ترتبط بإجراءات كثيرة مطلوب تأمينها قبل ذلك، ومنها وقف العمليات العسكرية وبدء عملية الإعمار، وهو قرار لا تملكه هذه الدول الأربع، بل هو مسار دولي لا يبدو أن شروطه قد نضجت بعد.

حيث إن الأزمة السورية ما زالت بانتظار تغير حقيقي في المسارات الميدانية والسياسية، وهذا أمر لا نرجح حصوله دون صفقة أو اتفاق ما بين موسكو وواشنطن، خصوصا أن الموقف الأوروبي ما زال رافضا لبدء عملية إعادة الإعمار دون انتهاء المواجهات تماما، وكذلك في ظل بعض الإشارات التي وردت من موسكو وواشنطن في الشهور القليلة الأخيرة بهذا الاتجاه.

كما أن تصريح جاويش أوغلو حمل نقدا ضمنيا لإعادة بعض اللاجئين إلى سوريا قسرا أو الضغط عليهم بهذا الاتجاه دون أن تؤمَّن لهم شروط الحد الأدنى المطلوبة للعودة من أمن وخدمات. فقد تحدث عن "العودة الآمنة"، مؤكدا ضرورة "تنفيذ مشاريع التعليم والصحة والتوظيف للعائدين" كما هو حاصل في إدلب شمال غرب سوريا، "بدلا من دفع الناس قسرا للعودة".

وتكتسب تصريحات جاويش أوغلو -وخصوصا ما يتعلق بظروف عودة/إعادة اللاجئين- أهمية إضافية في ظل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في السابع من سبتمبر/أيلول الجاري بعنوان "أنت ذاهب إلى الموت"، والذي كشف عن تعرض عائدين إلى سوريا للقتل والتعذيب والإخفاء القسري والاغتصاب والاعتداءات الجنسية من قبل المخابرات السورية.

ولذلك، إجمالا، يصعب الحديث عن تغير كبير في الموقف التركي من المقيمين على أراضيها. فما زالت أنقرة تنادي بعودة أو إعادة السوريين إلى أراضيهم، ولكن ضمن ضوابط من بينها أن تكون طوعية، وأن يسبقها تأمين الظروف المناسبة من أمان وبنية تحتية وفرص عمل. وأن عودة الأعداد الكبيرة منهم مرتبطة بعملية إعادة الإعمار بعد وقف المواجهات والتوصل لاتفاق سياسي ما.

وأما ما يتعلق بالشمال السوري -الذي توجد فيه تركيا وتديره فصائل مقربة منها- فما تزال أنقرة تسعى لعودة الرقم الأكبر من السوريين إليه، حيث عاد إليه حتى الآن مئات الآلاف بشكل طوعي. بينما يمكن توقع إجراءات إضافية لـ"ضبط" الوجود السورية في المحافظات مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.

لكن أنقرة تدرك بالتأكيد أن هذا الأمر سيبقى في نهاية المطاف محدودا وسيحتاج لوقت طويل قد يمتد لسنوات، ولذلك فيما يبدو فهي تهيئ نفسها والرأي العام فيها لتقبل فكرة أن نسبة لا بأس بها من السوريين المقيمين في تركيا سيبقون هناك على المدى البعيد. وهو أمر أشار له ضمنا تصريح الرئيس رجب طيب أردوغان قبل زهاء أسبوعين بأن "من تعلم اللغة التركية وتناغم مع سوق العمل وعادات المجتمع في تركيا يمكنه البقاء والعمل"، بينما حصر العودة/الإعادة بمن سيفشلون في تحقيق هذه الشروط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!