طه أوزهان - صحيفة ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

السياسة في حقيقتها قذرة كالفاشية ولكن أدبيات السياسة لا تتيح لهذا الوجه أن يكون الوحيد والمسيطر، فالأخلاق السياسية تتيح أسماء براقة ومعاني أخلاقية من أجل التستر على قبح وفاشية السياسة. في الوقت الذي نحارب به التعصب للقومية التركية ونعمل جاهدين على القضاء على نعرات الجاهلية الأولى المرتبطة به، نرى أن المضطهدين أحلّوا لأنفسهم حق التعصّب لقومتيهم؛ لأنهم وحسب وصفهم مظلومون ومضطهدون، فالأكراد الذين ظُلموا في السّابق يعتقدون أن من حقهم التعصب والتمسك بالجاهلية القومية، بينما هذا حرام على نُظرائهم من الأتراك.

ما لهم يتنكّرون لما حدث في السابق؟؟؟ تمخضت التغيير الدستوري الذي حدث عام 2010 والذي كان بمجهود خالص من حزب العدالة والتنمية، عن الكثير للأكراد فكانت الراحة الحقيقية الأولى لهم، ولكن بدل الرد على هذه التعديلات بإيجابية تم الرد عليها بعكس المتوقع عندما تقوّى أوجلان بالعواصم الغربية على تركيا. واليوم نرى نفس الألحان تُعزف من جديد.

 لقد كانت التعديلات السابقة هي السبب الأساسي لنمو السياسة الكردية شيئًا فشيئًا حتى وصلت لما نراه اليوم. فحزب الشعوب الديمقراطية يعتبر نفسه الممثل الشرعي والوحيد عن الأكراد بل ويزيد ذلك بأنه المدافع عن وجودهم. لكن الطريف في الموضوع هو ما نراه اليوم من التفات دميرطاش للحزب الجمهوري الذي كان عدوه في السابق، حتى أنك تراهم متفقين تماما على فكرة الاتحاد في مواجهة حزب العدالة والتنمية.

فالتنكّر للماضي ليس حكرا على أكراد تركيا وحسب، بل نرى ذلك جليا في سوريا، فبعد أن عاش الأكراد كل أنواع العذاب والمأساة والمجازر من نظام الأسد، نراهم قد نسوا كل المصائب التي حلت بهم وتحالفوا مع بشار. ونرى الفاشية والغباء السياسي فيهم عندما يزيدون على ذلك ويقدّمون مصيرهم بين يدي العواصم الغربية.

ثم رأيناهم عندما باعوا كل القيادات والقادة الشعبيين الذين قتلهم نظام بشار بثمن بخس دراهم معدودة من أجل بضع متاع وعدهم به بشار، فالخيانة التي قبلوا بها أولا على أنفسهم ومن ثم على الشعب السوري كانت في الحقيقة قضية خاسرة.

لو تذكرنا الأحداث التي حصلت أثناء عملية نقاش القانون الذي تمخض عنه حزب الشعوب الديمقراطية لتذكرنا التحالف الذي قام به الحزب القومي مع الحزب الجمهوري من أجل إيقاف عملية التصويت على القانون ومحاولة القضاء على آمال الأكراد في تلك العملية. لو تذكرنا كل ذلك لعلمنا أن مقدار الغباء السياسي الذي يُدير السياسة الكردية لا يمكن التحدث عنه من هوله.

أما ما يمكن استنتاجه من هذا كله هو أن السياسة الكردية قد أفلست لتتحالف مع أعدائها القدامى من الحزب القومي والحزب الجمهوري. ولهذا فإن هذا الكلام يجب أن يصل لمن يُفكّر أن يعُطي صوته لمثل هذه السياسة المفلسة والفاشلة، فمثل هكذا سياسة لن تحقق أي نجاحات حقيقية.

فالسياسة الكردية أو من يعتبر نفسه ممثلًا لها كان من الأجدى أن تتحالف مع من يدافع عن الشعب الكردي، ومع من يضع المشاريع لدعم وتطوير الكُتل الكردية، لكن على العكس تماما يضربون اليد التي تُمد إليهم للمساعدة ويبحثون عن اليد التي تلطخت بآلامهم وعذاباتهم ليتحالفوا معها.

عن الكاتب

طه أوزهان

أكاديمي وكاتب أسبوعي في عدد من الصحف التركية والعالمية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس