إسماعيل ياشا - عربي21

أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، حول ضرورة التصالح بين النظام والمعارضة في سوريا، ضجة كبيرة، وخرجت مظاهرات في المناطق المحررة في شمال سوريا لاستنكار تلك التصريحات، والتأكيد على أن ثورة الشعب السوري مستمرة، وأن الثوار لن يقبلوا بغير إسقاط النظام.

وزارة الخارجية التركية قالت إن تصريحات تشاووش أوغلو تم تحريفها، وإن تركيا لن تتخلى عن الوقوف إلى جانب الشعب السوري، إلا أن الوزير التركي جدد الثلاثاء، أنه من الضروري أن يجلس النظام والمعارضة على طاولة المفاوضات، لـ"التفاهم" وليس "التصالح"، قائلا إن "المعارضة السورية تثق بتركيا، ونحن لم نخذلها أبدا، وإنما قلنا إن التفاهم شرط لإحلال الاستقرار والسلام الدائمين في سوريا"، مستدركا بأن النظام السوري يرفض الحل السياسي، ويفضل الحل العسكري.

تصريحات تشاووش أوغلو تثير علامات استفهام كثيرة حول موقف أنقرة من التطبيع مع دمشق، ومصير المناطق المحررة والجيش الوطني السوري، بالإضافة إلى مستقبل العلاقات بين تركيا والمعارضة السورية، على الرغم من تأكيد أنقرة أنها ستواصل تضامنها مع الشعب السوري.

الحكومة التركية وقعت بين مطرقة المعارضة العنصرية التي تحرض الشارع التركي ليل نهار ضد اللاجئين السوريين، وسندان رعاية الولايات المتحدة لتوسع حزب العمال الكردستاني نفوذه وترسيخه في سوريا. وفي ظل هذا المأزق، تتصاعد أصوات في صفوف المؤيدين لحزب العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية، تنادي بالتطبيع مع النظام السوري لتأمين عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ومواجهة الخطة الأمريكية التي تهدف إلى تقسيم سوريا.

هؤلاء الذين يدعون إلى التطبيع والتعاون مع النظام السوري، يحلمون بأن قوات النظام ستتحرك لطرد حزب العمال الكردستاني من المناطق التي يسيطر عليها بدعم الولايات المتحدة وحمايتها، كما يظنون أن معظم اللاجئين السوريين سيعودون إلى بلادهم أفواجا، إلا أنهم يجهلون أو يتجاهلون أن النظام السوري هو الذي كان يستضيف قادة حزب العمال الكردستاني ويرعاهم لسنوات، وأنه استخدم المنظمة الإرهابية في بداية الثورة لقمع المظاهرات المناهضة للنظام في المدن الشمالية ذات الأغلبية الكردية. كما أن النظام السوري أعجز من أن يواجه القوات الأمريكية التي تدعم حزب العمال الكردستاني وتحميه في سوريا، وأن مثل هذه القرارات لا يتم اتخاذها في دمشق، بل في موسكو.

العلاقات بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني قديمة، ويمكن وصفها بـ"التخادم"، بدليل أن وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني ترفع علم النظام السوري في المناطق التي تسيطر عليها في الشمال قبيل كل عملية عسكرية تركية. وفي رد على قصف مخفر حدودي بقضاء بيرجيك التابع لمحافظة شانلي أورفا من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني، ومقتل جندي تركي وإصابة أربعة آخرين، قام الجيش التركي، الثلاثاء، باستهداف مصادر النيران، ما أدى إلى مقتل عدد من جنود النظام السوري، ما يعني أن عناصر المنظمة الإرهابية وجنود النظام السوري ما زالوا يتعاونون، ويتبادلون الأدوار، ويقاتلون جنبا إلى جنب، ويتمركزون في ذات القواعد العسكرية.

تشاووش أوغلو يشير إلى ضرورة تفاهم بين النظام السوري والمعارضة، ووجود حكومة قوية في دمشق لضمان وحدة تراب سوريا، إلا أن الوزير التركي يلفت في ذات الوقت إلى أن النظام السوري يرفض الحل السلمي. وبالتالي، فإنه يمكن أن تتحول التصريحات المكررة حول التفاهم والحل السلمي إلى نوع من الاستجداء الذي لا يليق بمكانة قوة إقليمية كتركيا. ومن المؤكد أن تركيا ليست مضطرة للتطبيع مع النظام السوري لحماية أمنها القومي، وأن حصر خياراتها في خيار واحد، وهو التطبيع والتنسيق مع النظام السوري، إساءة إليها واستخفاف بقوتها.

وسائل إعلام تركية تتحدث عن ثلاث مدن يمكن أن يعود إليها اللاجئون السوريون في المرحلة الأولى، وهي حمص وحلب ودمشق، إلا أن معظم الهاربين من براميل النظام السوري المتفجرة وقصف الطيران الروسي الغادر ومجازر الشبيحة والمليشيات الشيعية الطائفية لن يرجعوا إلى بلادهم ما لم تكن عودتهم تحت ضمانات وحماية تركية صارمة.

ومن المؤكد أن السوريين على قدر كبير من الوعي والتجربة يجعلهم لا يثقون بأي وعد وأمان من النظام السوري. كما أن النظام السوري وحلفاءه الذين يرفضون أن يقوم الجيش التركي بعملية عسكرية جديدة، لن يقبلوا في الظروف الراهنة أن تستلم تركيا مهمة حماية العائدين إلى بلادهم في تلك المدن أو أن تشارك فيها. وبالتالي، فإنه يبقى الحديث عن التفاهم مع النظام السوري لمكافحة حزب العمال الكردستاني وعودة اللاجئين إلى بلادهم مجرد "طحن للماء".

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس