مهنا الحبيل - اليوم

تقدم المعارضة التركية في الانتخابات النيابية وتراجع العدالة يطرح سؤال اليوم الأهم في مستقبل الشرق، وماذا سيترتب عليه أمام العدالة وحجمت قُدرته على تشكيل حكومة غالبية قوية، وماذا يعني تبعاً لذلك ما مورس على تركيّا العدالة من أطراف عربية في الفترة السابقة، من هجوم استهدفها واستهدف أردوغان شخصيا، ولا يزال بعضه يعمل.

وحتى الآن لم تنته فرص العدالة في تشكيل الحكومة، بل هو الأرجح لكن بتراجع نفوذ الحزب، لكن موضوع هذا المقال يطرح أمام القارئ العربي واقع الساحة التركية وأين تكمن مصالح العرب وخاصة في الخليج، وخاصة لو تطورت الأمور بعد هذه الانتخابات وما سيواجهه العرب في معادلة تركيا وإيران.

حزب السعادة هو الحزب الإسلامي الأقل سوءا في الارتباط مع إيران ومع ذلك فموقفه سلبي، وبعد إصرار على أسئلة محددة أقر السيد تاج الدين سكرتير عام الحزب ضمن لقاءات أجريتها كباحث مهتم بهذا الملف، بإشكالية الصورة الإعلامية التي تنقلها وسائل الاعلام الإيراني عنهم وخاصة في قضية الثورة السورية، وإن لم يقدم لي أي شاهد، مع مطالبتي بالدليل لأي نقد من الحزب لمشاريع إيران وبرامجها الطائفية الواسعة في العراق وسوريا.

إن مشكلة حزب السعادة قائمة وواضحة، وكان وقع الحوار يؤكد هذه الأزمة، وخاصة حين طرحنا صورة التوازن المفقودة كليا للحزب بين العرب وإيران، وكيف أصبحت القضية السورية ضحية لهذا التوازن المختل، وتَوَّرط الحزب تورطاً معيباً، حين اعتبر مساندة أردوغان للشعب السوري، هي جزء من مؤامرة الشرق الأوسط وهو ما يردده الإيرانيون، لكن ذلك الموقف كان من الواضح أنه لا يتغلغل لأعماق الحزب وأن القيادات ذاتها تجد حرجا حين تُعيد جدولة السؤال عليها، فضلا عن قواعد الشباب.

كما أن الإشكالية الأخرى لدى حزب السعادة وغيره في تركيا، هي الخوف من بعض الخطاب الطائفي البشع الذي لا يعترف بإسلام مدارس أهل السنة الكبرى، فضلا عن الشيعة، ودور تلك الثقافة في تفجير حروب طائفية وخلق بيئات صراع مستمرة لا تنتهي، حوّلت كل خلاف إلى مشروع صراع ثم حوّلته داعش إلى مشروع احتراب، وهذه المخاوف ليست مقصورة على السعادة ولكنّ هناك من يشاركها داخل العدالة ذاته.

ولكن في الجملة وحين نُقدّر موقف السعادة وفقا لحالة الاحتواء التي يعيشها، فإن موقفه ليس إيجابيا ولا وديا مع الوطن العربي اليوم، ونفوذه في المشهد السياسي رغم خسارته، سينعكس فيه موقفه من إيران على قضايا الأمة، وبالتالي زيادة رصيدها وبنيتها التحتية في تركيا، وفي المنطقة في وقت دقيق وخطير.

أما الحزبان الرئيسيان في المعارضة فلسنا مضطرين للتفصيل بينهما لتقارب موقفهما، فالحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري، لديهما رصيد مخيف من المشاعر تُجاه العرب وقضاياهم، وفي سؤال للقيادي في حزب الشعب، عما يُنقل من موقفهم من اللاجئين والقضية السورية، حيث رغبتُ في نقل موقفهم مباشرة منهم، أكد لي هذه الحقيقة وقربهم من موقف نظام الأسد وإيران، وهو ما يبرر الدعم الضخم للإعلام الإيراني لهم.

صحيح أن البرغماتية السياسية تلعب دوراً كبيراً حين ينتصر الحزب السياسي فيخفف من لهجته، ويمد جسوره مع العرب وغيرهم بحسب المصلحة، لكن هناك مساحة من الأيدلوجية فضلا عن أن المصالح المتصارعة تدفع الحزب للاقتراب من إيران وإسرائيل كثيرا، على حساب العرب والعالم الإسلامي، وهناك ضريبة ليست سهلة ستَحدث في الخلل الإقليمي لو أن حزب الشعب كان قادراً على تحويل تقدمه لجسم مركزي في حكم ائتلافي.

إن هذه الخلاصات تؤكد أن المراهقة السياسية التي مورست من محيط عربي، على أردوغان وحزب العدالة ودعم المعارضة وجماعة كولن لإسقاطه منذ مارس آذار 2014، كانت توجهات كارثية، ممكن أن تقلب الواقع الإقليمي كلياً على المشرق العربي، وتصحيح هذا الموقف ليس مصلحة لتركيا العدالة فقط، بل ضرورة للمنطقة العربية، في ظل تغيّر التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة، وتموّج الرمال المتحركة، وجماعات العنف العابرة للحدود.

في ضوء ذلك فإن قراءة خارطة النتائج وأين ستكون مصالح المنطقة العربية فيها، لا تحتاج لكثير من الجهد بعد هذا العرض، لكن مشكلة الموقف العربي أنه يتأخر كثيراً عن تحقيق مصالحه، ثم يستفيق على دور إيراني ذكي، لم يجعل خلافه مع الرئيس التركي - بعد تصعيد أردوغان على إيران بعد اليمن- موقف قطيعة بل استمرت طهران بالتواصل مع البناء السياسي والثقافي في العدالة، رغم أن أردوغان والفريق الإسلامي في العدالة غيّروا كثيرا المعادلة ضد توازنات إيران والتي لا تزال تحظى بتأييد وجسور إثر أربعة عقود من العمل.

والمشرق العربي ليس له من مجال فرص التدارك اليوم، إذا استمرت حالة الترصد لأردوغان والعدالة في الإعلام، واستفزاز جمهورهم، بل المطلوب المباشرة الشاملة لخلق بناء تواصل مع حزب العدالة كقوة توازن مهم لمصالح المنطقة العربية أمام إيران وتصحيح الأخطاء السابقة، قبل أن تتقدم فرص خطيرة للمعارضة التركية ويزهر ربيع إيران.

عن الكاتب

مهنا الحبيل

كاتب وباحث إسلامي ومحلل سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس