مي عزام - الجزيرة مباشر

جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية التركية في جولتها الأولي، التي أجريت يوم 14 مايو الحالي، كالتالي: حصول الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان “على نسبة 49.5% من الأصوات، بينما حصل منافسه “كليجدار أوغلو” على نسبة 44.89% من الأصوات أما “سنان أوغان” فحصل على 5.17% من الأصوات، أما المرشح “محرم إنجه” الذي انسحب من السباق الرئاسي، فبلغت عدد الأصوات التي حصل عليها 0.44%.

ولقد أعلن “سنان أوغان” عن تأييد “أردوغان” وطلب من ناخبيه أن يعطوه أصواتهم، وهو أمر مشكوك فيه فنسبة كبيرة من الذين صوتوا له فعلوا ذلك رغبة منهم في عدم التصويت لأردوغان أو غريمه كليجدار أوغلو.

نتائج الانتخابات جاءت مخالفة لاستطلاعات الرأي التي أجريت بواسطة مركز بحثي بأنقرة في أبريل الماضي إذ توقعت فوز كليجدار أوغلو بنسبة 49.3% مقابل 42.4% لأردوغان، وقيل حينها أن هذا الاستطلاع تم إجراؤه بدعم وتمويل من المعارضة وأن النتائج مزيفة، كما جاءت النتيجة أيضا مختلفة أيضا عن ما قدره مؤيدو الرئيس التركي الذين توقعوا فوزه في الجولة الأولي بنسبة تتعدى الـ50%. اتسمت الانتخابات التركية الرئاسية والتشريعية بكثافة في الحضور والنزاهة والشفافية، ولم يتم تسجيل أي مخالفات انتخابية أو محاولات للتزوير لصالح أي من المرشحين. وهذا الأمر يسجل لصالح “أردوغان” على اعتبار أنه الرئيس الحالي الذي يمتلك سلطات واسعة، لم يستخدمها لتزييف إرادة الناخب التركي لصالحه، لذا هناك توقع أن تشهد انتخابات الإعادة في 28 مايو الجاري متغيرات من جانب الناخبين. سلوك أردوغان في الانتخابات أظهره بصورة الرئيس الديمقراطي الذي يحترم قرار الناخبين وهو عكس الصورة التي تشيعها عنه المعارضة بأنه رئيس غير ديمقراطي ومستبد، ولذا قد يصوت له نسبة من التي كانت تشك في نزاهته، ومن ناحية أخري النسبة المرتفعة التي حصدها “كليجدار أوغلو”، قد تعطي أمل لأشخاص لم يكونوا على ثقة من قدرة المعارضة على حشد الشارع وكسر أسطورة أردوغان كمرشح لم يهزم خلال 10 انتخابات وطنية سابقة خاضها، هؤلاء الأشخاص قد يميلون للتغيير لمجرد التغيير.

نتيجة الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية التركية 2023 تعد سابقة تحدث للمرة الأولي، كل الانتخابات الرئاسية السابقة كانت تحسم من الجولة الأولي بنسبة أعلي من 50% لصالح المرشح الفائز، وهذا دليل علي أن هناك تغييرا في الشارع التركي لم يحسم بعد.

فاز تحالف الشعب الذي يقوده حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه الرئيس التركي أردوغان، على نسبة 53.7% من أصوات الناخبين وحصل على 322 مقعدا في البرلمان، لكن هذه النسبة لا تمثل أغلبية ساحقة تمنحه ميزة تشكيل الحكومة، وهو ما سيجعل الرئيس القادم بحاجة إلى تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما يفتح الباب أمام الخلافات وخاصة في حالة ما كان الرئيس القادم ليس أردوغان. هذه النسبة تدل على تراجع شعبية حزب الرئيس التركي عن تلك التي حققها في انتخابات 2018، ولهذا يتوقع محللون أنه حتى في حال فوز الرئيس التركي الحالي بجولة الإعادة، فأنه سيراعي هذه التغيرات التي أظهرتها نتائج الانتخابات، ولأنه سيأسى محنك يعترف بالهزيمة كما يفتخر بالانتصار، سيجد وسيلة لاستعادة ثقة الشعب التركي في حزبه بمزيد من الإصلاحات السياسية، التي تحتاجها تركيا بالفعل.

وضع وزير الخارجية التركي السابق “أحمد داوود أوغلو” عام 2013 حجر الأساس  لسياسة صفر مشاكل التي نفذها الرئيس التركي أردوغان في فترة رئاسته الأولي، وتخلى عنها في فترة رئاسته الثانية وعاد إليها مؤخرا بعد ما تبين له أنها ضرورية لتفادي  الكثير من المشاكل والتعقيدات علي المستوي الإقليمي والدولي بسبب التدخل التركي غير المنضبط في الصراعات الداخلية في عدد من دول الجوار لتوسيع النفوذ التركي، مما أثر علي صورة تركيا ، فبدلا من أن تكون داعمًا للسلام والاستقرار أصبحت مصدرة للمشاكل، مما أدي إلى عواقب سلبية على الداخل التركي استدعي معه عودة لسياسة صفر مشاكل مع دول الجوار، فشهدت الفترة الأخيرة تحسنا كبيرا في العلاقات المصرية التركية، كما تم إعادة ضبط الانخراط التركي في ليبيا، وتم الاتفاق علي بدء مفاوضات بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي أردوغان لاستعادة العلاقات المقطوعة منذ عام 2011 برعاية روسية إيرانية، كما تطلب الدول العربية من تركيا احترام حدود العراق وعدم القيام بأي أعمال عسكرية داخلها تحت أي مبرر أو ظرف ويتوقع أن يكون هناك تجاوب تركي. محللون يتوقعون أن تشهد تركيا تغيرات في أسلوب إدارتها لسياستها الخارجية سواء استمر أردوغان في الحكم أم فاز منافسه. الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم الذي تعاني منه تركيا ويؤدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة على المواطن التركي تستدعي التركيز على المشاكل الداخلية وإيجاد حلول لها، بدلا من التفكير في توسيع النفوذ التركي فى دول الجوار واستخدام الآلة العسكرية التركية.

بغض النظر عمن سيفوز بالرياسة التركية أردوغان أم كليجدار أوغلو، رغم أن فرص أردوغان أعلي من منافسه كثيرا، فإن الرابح الأول لهذه الانتخابات النزيهة هو الشعب التركي الذي أطمأن على أن مسيرته الديمقراطية بخير وأنه الحارس الأول لها، وأدرك أن صوته له قيمة ونتيجة، والاختيار في النهاية حق للناخب التركي لا ينازعه فيه أحد.

عن الكاتب

مي عزام

كاتبة وصحفية مصرية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس