أحمد البقري - الجزيرة مباشر

تابع العالم كله الأيام الماضية الانتخابات التركية بل وحفظ أسماء المرشحين فيها،  وربما رسمت شعوبنا العربية في أذهانها التحالفات الانتخابية التركية، فتسمع في الخليج عموم الناس يتناقشون عن فرصة “الطاولة السداسية” في مجابهة التحالف الحاكم، وتشرح البرامج الحوارية في مصر مثلا النظام البرلماني التركي، ويتحدث كذلك إعلاميون موالون لأنظمة تحكم البلاد منذ سنين بنظام الانتخابات الشكلية تكون نسبة الرئيس الناجح فيها مسبقا لا تقل عن 99% من إجمالي أصوات الناخبين ويكون إجمالي عدد الأصوات الباطلة أكبر من عدد أصوات المرشح المنافس للزعيم الذي أجمع عليه الشجر والحجر قبل الناس، يتحدث هؤلاء عن مدى صعوبة الاختبار الذي يقبل عليه أردوغان الحاكم منذ أكثر 20 عاما.

فهل تعلم عزيزي القارئ أن ورقة الاقتراع البرلماني بلغ طولها أكثر من نصف متر لتشتمل على قرابة 24 حزبا فضلا عن المرشحين المستقلين في كل دائرة، الأمر الذي يرمز إلى مدى التفاعلات في الحياة السياسية التركية وكذلك التجاذبات والنقاشات.. أحزاب تمتد في اتجاهاتها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمن، وتتنوع بين مختلف الأعراق والأجناس تحت ظلال دستور ووطن وعلم واحد، يجمع الجميع ولا يفرق بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفوا في الأصول والتوجهات.

والناظر بعين المراقب والزائر لتركيا في سنواتها الأخيرة يرى مدى ما أنجزه أردوغان للبلاد على كافة الأصعدة ليس أقلها الحق في ممارسة العمل السياسي والحزبي وليس آخرها التحليق في سماء أنقرة بطائرات مسيّرة يرمقها العالم أجمع وأسلحة محلية الصنع من مدافع يدوية أو آلية خفضت نسبة اعتماد تركيا على الخارج في مجال الصناعات الدفاعية بشكل كبير جدا بل أصبحت تركيا بها أحد الدول المصدرة للسلاح عالميا.

إن أكثر ما عزز هذه العملية الديمقراطية بجانب فتح المجال العام للممارسة السياسية هو أقبال الناخبين الكثيف للإدلاء بأصواتهم، وبنسبة قاربت 90% من إجمالي من يحق لهم التصويت قاموا بأداء واجبهم الانتخابي مما جعل لهذا الانتخابات زخما غير موجود في أعتى ديمقراطيات العالم اليوم، جذب أنظار الجميع إلى تركيا في يوم عرسها الديمقراطي.

ومن هنا أستطيع أن أقول إن أردوغان شكل صمام أمان بحكومته وحزبه الذي يحكم البلاد منذ عقدين تقريبا لهذه الديمقراطية التي ترمقها عيون الغرب والشرق وجعل منها مثلا تتمنى شعوب المنطقة كلها الاحتذاء به وسط جغرافيا محكومة بالاستبداد من ناحية وبالفساد من ناحية أخرى.

وعليه فإن الدرس “الأردوغاني” من هذه الانتخابات لم يكن في نجاح الشخص بقدر ما كان في نجاح التجربة، فأردوغان الذي غير شكل البلد كلها بشهادة معارضيه، الذين عارضوه بعبارة “يكفي هذا القدر من الحكم”، والذي استولى على مفاصل الدولة خلال فترة حكمه لم يستطع أن ينجح من الدورة الأولى من الانتخابات، وتوقف نجاحه على بضعة آلاف من الأصوات فلم يستطع أن يمرر أو يزور بعض الأصوات التي قد تعبر به الانتخابات فأحال الانتخابات إلى جولة ثانية ربما كانت فرصة سانحة لمعارضته تستجمع فيها قواها لتعيد المنافسة مرة أخرى.

سيذهب الأتراك مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع للمفاضلة بين أردوغان وأقرب منافسيه، وسيبقى كلام أردوغان خالدا حين قال “ليس هناك دكتاتور يذهب إلى جولة الإعادة”، وسنظل نقرأ عن هذه التجربة ونستفيد منها دروسا غابت عن منطقتنا العربية بفعل الاستبداد ربما سنوات وسنوات، ولذلك أقول: يا ليت لنا دكتاتورًا مثل أردوغان ولا زيادة.

عن الكاتب

أحمد البقري

صحفي مصري، نائب رئيس اتحاد طلاب مصر سابقاً


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس