طه كلينتش - يني شفق

البشر جريئون جدا في مناقشة الموضوعات التي لا يملكون الخبرة بها. غالبًا ما تخطر ببالي هذه المقولة وأنا أستمع إلى الأشخاص الذين يتحدثون عن قضية اللاجئين. يبدو الأمر كما لو أنهم يتحدثون عن عنصر ما، أو نقل أشخاص من مكان إلى آخر، أو إرسالهم أو ترحيلهم..إلخ. ما هو شعورك إذا تم إدراجك في هذا النقاش؟ من الصعب جدًا العثور على أشخاص يتمتعون بضمير ويستمعون إلى هذا السؤال.

تواجه تركيا كثيرا من الصعوبات في كثير من النواحي. ومع ذلك، ربما يكون من أكبر هذه الصعوبات وجود الحشود التي تتبع غرائزها بالتحيز والكراهية دون تفكير، والانتهازيين الذين يستغلون هذه الأوضاع. لذلك لا تلقى النداءات إلى تحكيم الضمير والإنصاف آذانا صاغية. تحولت قضية اللاجئين في تركيا إلى أداة سياسية داخلية، وتم الإعراض عن كون هذه القضية قضية "إنساني"، ولا بد من الإشارة إلى أن القضية لديهم محصورة فقط بـ"السوريين". هذه ليست مجرد كراهية للأجانب، بل مكر تحركه الطائفية البغيضة.

لنتكلم بصراحة: الموقف العدائي للجبهة التي يقودها حزب الله الشيعي في لبنان تجاه اللاجئين السنة الفقراء الذين اضطروا للاحتماء بلبنان هو نفس الموقف الذي يتزايد في تركيا. يلعب تحالف الأمة المعارض دور الدوائر المعادية للاجئين نيابة عن نظام الأسد. هذا من أعظم الشرور التي يمكن أن تحدث لبلد كان مأوى للمضطهدين والمظلومين عبر التاريخ. شر يفسد لبنة أراضينا ويلوث أجواءها ويظلم مستقبلها .

القراء الذين يتابعون مقالاتي يتذكرون بالتأكيد المقال الذي نشرته قبل حوالي أربع سنوات، والذي حمل عنوان "أخلاق المهاجر". وقد وضحت حينها أن قضية اللاجئين لا ينبغي أن تقرأ فقط من خلال خطاب " المهاجرين والأنصار"، وذلك استنادا إلى حقيقة أن السكان الأجانب هم " الأكثر عرضة للهجوم" في كل بلد يعيشون فيه، وأن الحقوق والمسؤوليات متبادلة. وأنه يجب اتخاذ بعض التدابير من أجل التماسك الاجتماعي والاندماج، وإلا ستصبح الصراعات حتمية. وقلت حينها إن القضاء على الجوانب القابلة للاستغلال في قضية اللاجئين سيعود بالنفع علينا جميعا. وما زلت أصر على نفس النقاط.

لكن خطاب "السوريون سيرحلون!" الذي لا يحمل سوى النوايا السيئة، ويهدف فقط إلى الاستفادة من غضب الشعب ولا يقدم بديلا للحل، يعني شيئا مختلفا تماما. إن معارضة ومقاومة هذا العداء الوحشي هو الحد الأدنى من كونك إنسانا اليوم.

لم يحدث في أي مكان في العالم وفي أي فترة من التاريخ أن الحشود التي انتقلت من منطقة إلى أخرى وفق هجرات جماعية قد عادت بشكل كامل إلى الوجهة التي جاءت منها. السوريون (والجنسيات الأجنبية الأخرى) لن يغادروا تركيا "بشكل كامل" أيضا. وبخلاف الخطابات الفاشيةالتي تتحدى الحياة الاجتماعية، من الضروري إنتاج حلول معقولة وإنسانية تستند إلى حقيقة أن جزءا كبيرا من اللاجئين الذين جاؤوا إلى تركيا سيقيمون بها بشكل دائم.

يمكننا أن نناقش بإسهاب الجوانب السياسية لهذه القضية. ولكن عندما نتحدث عن اللاجئين والمضطهدين والضحايا والمظلومين، من الضروري التأكيد على النقطة التالية بخطوط عريضة:

السياسة لديها بعض القواعد العقلانية. فعندما تمارس السياسية يجب أن تأخذ هذه القواعد في عين الاعتبار لتصل إلى النتائج بشكل أكثر وضوحا. لكن الحياة لا تتعلق فقط بالعقلانية أو ما نراه. أعتقد أن الرئيس أردوغان قد استفاد بشكل جدي من الدعوات المناصرة للمظلومين الذين تمت حمايتهم. فاحذروا من لعنة الظالمين ودعوة المظلومين!" قد يبدو هذا الأمر ليس له معنى لدى الأشخاص القاسية قلوبهم والذين لا يؤمنون بذلك. ولكن بالنسبة للمؤمنين الذي ينظرون إلى هذا الأمر بعناية وحذر، فإن الحقيقة واضحة لديهم.

بالنسبة لقائد يستطيع أن يقول: "لا أستطيع طرد السوريين، علينا أن نجد حلولا إنسانية وإسلامية لهم"، بينما يمارس خصومه كل أنواع الأكاذيب من أجل كسب الأصوات ويخدعون جماهيرهم بشكل كبير. وبذلك سترى الملايين التي تدعو له ليل نهار، والدموع تنهمر من عينيها على سجادة الصلاة.

نشهد العديد من الأحداث في الحياة التي لا يمكننا تفسيرها ولا يمكننا إيجاد تفسير لها. وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن بعض الأمور تحتاج منا النظر إلى الدعاء.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس