أحمد عمر - عربي21

وصفت إحدى وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، المرشح الرئاسي الجعفري القومي المغمور سنان أوغان، بصانع الملوك، وكان قد خطف الأصوات و"سباها" من النزاع بين الفريقين الإسلامي الأممي، واليساري القومي، فشاع الوصف وانتشر، ولم يكن قد صنع شيئاً بعد، فنُسب إليه ما ليس له. فأتباعه ليسوا أصواتاً خالصة يحملها في خُرْجه، ويضعها في الصندوق، والديمقراطية التركية مباشرة وليست تمثيلية مثل الانتخابات البريطانية أو الانتخابات الأمريكية التي تعظّم في وسائل الإعلام على غير حق. وهي من تهويلات الإعلام العربي الرسمي والغربي المتربص، فإن كان من صانع ملوك في الوطن أو الملجأ التركي، فهو السوري نازحاً أو مقيماً. وسنحاول إثبات ذلك.

لقد كان السوري نافعا، ولا يزال.. ألم ترَ "السلطان المستبد" سابق في كل ميدان سوى ثلاثة ميادين قصّر فيها وتركها للدولة الأتاتوركية العميقة، هي التعليم والدراما ووسائل التواصل. أعماله وفضائله كثيرة، فقد صنع سيارة توغ الكهربائية، وطيارة بدون طيارة تتسابق إليها الدول الصناعية وغير الصناعية، وطائرة أكينجي، وشبكة طرق ناعمة مثل الحرير، وجسوراً معلقة، وأنفاقا تحت البحر، وشركة طيران فريدة من نوعها بخدماتها ولطف مضيفاتها، ورفع الأجور إلى 700 دولار، وبنى مدناً للمتضررين من الزلازل، وعمل على تطهير البنك التركي من الربا والفوائد، وصنع طائرات زعمت المعارضة اليسارية أنها من الورق المقوى.. ومع ذلك أخفق في الحصول على نسبة الفوز في الجولة الأولى..

أمّا رئيس سوريا المؤبد والمفدّى والمعصوم، الذي ورث الملك عن أبيه، والذي قتل مليون سوري تحت التعذيب، أو كرّمهم بالقتل من غير تعذيب، وشرَّد أربعة عشر مليوناً من ديارهم بغير حق، ودمّر بيوتهم ومساكنهم، وسنَّ قوانين لمصادرة ما سلم منها، ففاز بنسبة لا يفوز بها غيره. والراجح أنه سيورّث ابنه الحكم بنسبة مثلها، وكل ذلك بسبب صانع الملوك السوري، الشامي الذي بنى شامين عظيمتين، واحدة في دمشق الشرق، والثانية في أندلس الغرب.

السوري أخرس، لا يُعرف له صوت منذ نصف قرن، محبوس مثل مارد في قمقم، وهذا هو سبب فوائده ومنافعه على خصومه وأعدائه، وليس سنان أوغان، وإن كان للملوك صانع فهو السوري، فهو يصنع ملوكاً بقوته أمثال معاوية وهشام، أو بضعفه أمثال الأسد وابنه. لقد صنع بضعفه أو مكر أعدائه ملوكاً عدة في سوريا، فنصّب ملكاً في الجزيرة السورية، وملكاً في إدلب، وبقي الملك القديم في سوريا "المفيدة" على حاله.

وكان السوري يستفتي في الانتخابات مكرهاً، مغلوباً على أمره، خوفاً من الاعتقال أو المساءلة، فلم يعهد السوري في تاريخه قط طغياناً مثل طغيان أحفاد الحشاشين ومحاكم التفتيش الجديدة، فتحوّل من صناع السيف والقلم إلى الرقص على ألحان الألم.

وقد استمرت عزلة السوري وذلّته، بسبب تكالب الأمم عليه، ونأيه عن مصادر قوته، وجهله بإنشاء الروابط والأندية والجمعيات، وهو يعيش في تركيا فزِعاً من فوز مرشح المعارضة اليساري كمال "كالجدار" أوغلو، الذي جعله قربان حملته الانتخابية الوحيد في الجولة الثانية، فإن كان أوغان سيدرّ على أردوغان بعض الأصوات المحتملة، فإنَّ السوري الأضحية، القربان الذي نوى كمال أوغلو تقديمه على مذبح الانتخابات، درَّ عليه معظم أصواته.

أيها السادة: السوري هو صانع الملوك والعلوك وليس سنان أوغان.

عرفنا سوريا المفيدة، وهي المنطقة التي يحكمها النظام السوري من سوريا التي قُسمت إلى ثلاث مناطق، غنم حزب العمال الكردستاني أغنى أقاليمها ثروة ومساحة، أما سوريا الضارة أو المحاصرة، فهي التي تحت حكم المعارضة.

كل سوري مفيد، معارضاً كان أم موالياً، وكان السوري نافعاً دوماً، وقد بنى الأسد أباً وابناً وخالاً وعماً ثرواتهم السياسية والاقتصادية من لبن السوري المستعبد ودمه وعرقه.

انتفع الأسد من دمه وجلده وعظمه وخياله التلفزيوني، ولم يكن بقي له من خياله سوى خيال الدراما التلفزيونية. بيعت أعضاء السوري الثمينة في سوق النخاسة الصحية، ونهبت دياره، كما بيعت في المزاد الانتخابي التركي، وقد انتفع به النظام طويلاً.

وكانت أصوات السوري الانتخابية التي يتباهى فيها إعلام الأسد على دول الخليج "الرجعية" و"البدوية" في حقوق الإنسان، والديمقراطية، والنقابات، أرخص الأصوات في سوق الانتخابات بعد كوريا. فالأسد أباً وابناً كانا يفوزان بالنسبة المعروفة 99 في المائة من الأصوات، والصحيح أنه كان يفوز بنسبة مائة في المائة، لكنه تواضعاً منه كان ينزلها إلى 99 في المائة، "من أجل ديمقراطية الانتخاب وسؤدده".

ولتواضع الأسد علامة أخرى، وهي أنه لم يكن يضع قدماً على قدم بحضور ضيوفه، وقيل في تفسير ذلك أنه كان يفضل أن يضعهما معاً على رقبة الشعب. وقد انتفع الأسد رئيساً وأسرة وطائفة وموالاة بالسوري "المفيد"، وحقق الأسد الابن بطرده معجزتي تجانس؛ تجانسٍ سوري وتجانسٍ عربي تحقق في قمة جدة.

أهدى السوري الشهيد والأسير نصراً للأسد على الإمبريالية العالمية وبضع وثمانين دولة، وهو نصر لم يتحقق لقائد قط، فلم يقع لقائد عبر التاريخ لا الإسكندر المقدوني، ولا تيمور لنك، ولا خالد بن الوليد، وقريباً ستظهر رؤية بشار 2030، التي ستكون مدينة مصنوعة بالذكاء الصناعي، تنتصب فيها تماثيل الأسد الأب، فلن يتركه إخوته الزعماء العرب، سيعيش على المساعدات عقداً آخر.

انتفعت الدولة التركية من يد صانع الملوك، ومن أمواله الهاربة، وربما تضرر بعض الأتراك من السوري، فارتفعت أجور البيوت وزادت المنافسة في أعمال الخدمات، فهذا من طبيعة الأشياء، وقد قيل: إن كل ما ينفع الكبد مضرٌ بالطحال.

استفاد كمال "كالغدّار" أوغلو من وبر السوري وجلده وعظمه، وكاد أن يحقق مثل "رفيقه" بشار الأسد معجزة التجانس التركي، وأعلن "حرب تحرير شعبية" ضد الغازي السوري الأعزل، في مخالفة للأعراف القبلية والقوانين الدولية والعقيدة اليسارية الأممية. وكاد السوري أن يكون سببا في خسارة رجب طيب أردوغان، أكبر زعيم تركي منذ السلطان سليم القانوني السلطة، لولا أن تداركه الله وتداركنا برحمته ولطفه.

السوري إن عزَّ وانتصر صنع العظام، وإن ذلَّ وخضع سوّد اللئام.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!