فيزالله تونا أيغون - عربي بوست
إن المساعي الطموحة المعروفة باسم ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية في العراق، والتي كانت تُعرف سابقاً باسم القناة العراقية الجافة، من المقرر أن تنشئ طريقاً تجارياً جديداً بين البصرة وتركيا، متجاوزاً قناة السويس. يوجه العراق جهوده نحو شبكة شاملة من البنية التحتية للنقل، تشمل الطرق السريعة والسكك الحديدية والمناطق الصناعية التي يُطلَق عليها مجتمعةً طريق التنمية. وتهدف هذه المبادرة الجماعية إلى تسهيل حركةٍ سلسة للبضائع والأشخاص بين البصرة وتركيا.
بالإضافة إلى ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية، يوجه العراق الاستثمارات إلى مختلف مشاريع البنية التحتية التكميلية. هناك طريقٌ سريع من أربع حارات يضم نفقاً مغموراً قيد الإنشاء، يربط ميناء الفاو الكبير بميناء أم قصر. علاوة على ذلك، هناك مناطق صناعية متكاملة ومطار شحن في مراحل التخطيط؛ مما يزيد من كفاءة هذه المشاريع الكبيرة.
من خلال هذه المشاريع الطموحة، يسعى العراق إلى زيادة اتصاله العالمي وتعزيز التعاون بين الشرق والغرب. وإلى جانب استثمارات البنية التحتية الأخرى، تضع هذه المشاريع العراق كمساهم مهم في شبكة الخدمات اللوجستية العالمية، وتدعم في الوقت نفسه أهداف النمو الاقتصادي الخاصة به وترسيخ دوره في الاقتصاد العالمي.
عند اكتماله المتوقع في عام 2029، يحمل مشروع طريق التنمية القدرة على تغيير المشهد الاقتصادي للمنطقة؛ مما يؤدي إلى زيادة آفاق التجارة والتنمية. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الارتباط المرتقب بين العراق وتركيا من خلال المشروع الضخم إلى تسهيل التجارة والسفر، وجني مزايا ليس للبلدين المعنيين فحسب بل للسياق الإقليمي الأوسع.
التأثير المحتمل للمشروع على العراق
إلى جانب زيادة القدرات التجارية، فإن الانتهاء من مشروع طريق التنمية وميناء الفاو الكبير من شأنه أن يؤدي إلى نتائج إيجابية مباشرةً على العراق ككل. من المتوقع أن تؤدي إعادة دمج العراق في طرق التجارة العالمية إلى توليد آفاق اقتصادية جديدة وجذب الاستثمارات ومساعدة الشركات المحلية. علاوة على ذلك، فإن ظهور فرص العمل في قطاعي النقل والخدمات اللوجستية سيعود بالفائدة على القوى العاملة المحلية؛ مما يساهم في التنمية الشاملة للعراق.
ومن المتوقع أن يؤدي الطريق الذي أُنشِئ بواسطة طريق التنمية إلى تقليل فترات السفر بشكل كبير بين الشرق والغرب، وكذلك بين العراق وتركيا. ومن المتوقع أيضاً أن تؤدي ميزة توفير الوقت هذه إلى تبسيط العمليات التجارية وخفض نفقات النقل، وزيادة إمكانية الوصول والقدرة على تحمل التكاليف للشركات المحلية والكيانات اللوجستية الدولية. علاوة على ذلك، ستعمل قدرة ميناء الفاو الكبير على استيعاب سفن الشحن الأكبر حجماً على زيادة حجم البضائع المنقولة، وتعزيز النشاط الاقتصادي في المنطقة.
لكن رغم الفوائد المحتملة، هناك العديد من التحديات التي تتطلب الانتباه لضمان الإنجاز الناجح لهذه المشاريع. التحدي الأكبر من بينها هو الأمن، لا سيما فيما يتعلق بمد طريق التنمية إلى سوريا، حيث تتواجد الجماعات المسلحة، بما في ذلك المنظمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني. يجب اتخاذ تدابير للتخفيف من هذه المخاطر الأمنية. يمثل تمويل المشاريع أيضاً تحدياً كبيراً بسبب الاستثمار الكبير المطلوب. بالإضافة إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوضي، أن طريق التنمية سيتجاوز حكومة إقليم كردستان العراق بهدف خفض التكاليف لأسباب طبوغرافية؛ لذا قد يكون موقف حكومة إقليم كردستان تجاه المشروع حيوياً في تحقيق أهداف المشروع الإجمالية. وبالتالي، فإن الإجماع الداخلي والتعاون الدولي والاستثمار هي عوامل أساسية لنجاح المشاريع.
باختصار، يحمل استكمال مشروع ميناء الفاو الكبير ومشروع طريق التنمية مكاسب اقتصادية واستراتيجية كبيرة للعراق. وتستعد هذه المبادرات لترسيخ مكانة العراق كمركز نقل وتجاري محوري، وتوسيع شراكاته الاقتصادية، وتقوية العلاقات مع الدول المجاورة. بالإضافة إلى ذلك، ستعمل هذه المساعي على تقوية الروابط الاقتصادية بين العراق وتركيا، مما يوفر طريقاً تجارياً بديلاً. وبينما يجب معالجة التحديات مثل الأمن والتمويل، فإن التعاون الدولي والاستثمار أمرٌ محوري للتغلب على هذه العقبات وتحقيق نجاح المشاريع.
نظرة تركيا لهذه المشاريع
من المتوقع أن يعزز مشروع طريق التنمية وميناء الفاو الكبير التعاون الاقتصادي والتجاري بين تركيا والعراق. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تؤدي هذه التعهدات إلى تضخيم تدفق النفط والغاز من العراق إلى تركيا، نظراً لوضع تركيا كمستورد مهم للنفط العراقي. في عام 2020، لبَّت صادرات العراق 30% من احتياجات تركيا من النفط الخام، مما يؤكد دور العراق كشريك في مجال الطاقة لتركيا.
خلال زيارةٍ قام بها رئيس الوزراء العراقي إلى أنقرة في 21 مارس/آذار 2023، غطت المناقشات مواضيع متنوعة بما في ذلك الأمن والمسائل المائية والتعاون عبر مختلف القطاعات. بعد هذه المداولات، عبَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حماس تركيا للتعاون في المسائل الأمنية وسلَّط الضوء بشكل خاص على مشروع طريق التنمية، واصفاً إياه بـ"طريق الحرير الجديد". وشدَّد على مراقبة الوزراء الأتراك اليقظة للتقدم المحرز. تشير النتائج الإيجابية للمناقشات المتعلقة بالمشروع إلى آفاق مشجعة للعلاقات الثنائية. وتضع الرغبة المتبادلة لكلا البلدين في التعاون في البنية التحتية والتجارة الأساس لتآزرٍ جديد، وتبني أساساً متيناً للتعاون في المجالات الأخرى أيضاً.
باختصار، تقدم مشاريع طريق التنمية وميناء الفاو الكبير للعراق فرصة لتنويع اقتصاده، والظهور كلاعب مركزي في شبكة الخدمات اللوجستية العالمية، وتعزيز روابطه الاقتصادية مع تركيا. وبالمثل، ستستفيد تركيا من زيادة تدفقات النفط والغاز من العراق وتوسيع التجارة الثنائية. ومع ذلك، فإن الإنجاز الناجح لهذه المشاريع يعالج تحديات مثل المخاوف الأمنية وتأمين التمويل. سيكون التعاون والاستثمار الدوليان فعَّالين في التغلب على هذه العقبات. ومع حماس كلا البلدين للتعاون وتفانيهما في تحقيق ثمار المشروع، من المتوقع أن تتحقق فوائد هذه المبادرات، مما يساهم في التقدم والازدهار الإقليمي.
آفاق العلاقات الثنائية
أولاً، سيؤدي الانتهاء من طريق التنمية وميناء الفاو الكبير إلى تضخيم الترابط التجاري بين تركيا والعراق. من خلال تقديم طريق تجاري مباشر من البصرة إلى تركيا، متجاوزاً قناة السويس، ستعمل هذه المشاريع على تسهيل حركة البضائع وخفض نفقات النقل. وسوف تفيد هذه الكفاءة المتزايدة كلاً من الشركات التركية والعراقية، مما يسهل التجارة على نحوٍ أكثر سلاسة ويعزز التعاون الاقتصادي الثنائي.
علاوة على ذلك، ستؤدي المشاريع إلى آفاق جديدة للتعاون في مجال الطاقة. ستستفيد تركيا، بصفتها مستورداً بارزاً للنفط العراقي، من البنية التحتية المعززة للنقل التي يوفرها طريق التنمية. ومع الارتفاع المحتمل في تدفقات النفط والغاز من العراق، يمكن لتركيا تنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمن الطاقة. لن تؤدي شراكة الطاقة هذه ذات المنفعة المتبادلة إلى تعميق الروابط الاقتصادية فحسب، بل ستساهم أيضاً في ازدهار البلدين.
وسوف تشجع هذه المشاريع أيضاً على تكاملٍ وتعاونٍ إقليمي أوسع. سيغري إنشاء طريق التنمية كطريق تجاري جديد الاستثمارات من البلدان المجاورة، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً للنمو الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة. وسيعمل ذلك على ترسيخ الروابط الاقتصادية بين العراق والدول الأخرى، وتعزيز الاستثمارات عبر الحدود والعلاقات التجارية.
إلى جانب المكاسب الاقتصادية، ستُحدث المشاريع تداعيات جيوسياسية ملحوظة. سيوطد التعاون الاقتصادي المعزز بين تركيا والعراق استقرار المنطقة. من خلال التعاون في هذه المهام ذات الأهمية الكبيرة، تُظهِر الدولتان التزامهما بالعمل الجماعي الإقليمي والنجاح المشترك.
في الختام، فإن مشروع ميناء الفاو الكبير ومشروع طريق التنمية لديهما القدرة على إعادة تشكيل العلاقات التركية العراقية. من خلال تعزيز الترابط التجاري ورعاية التعاون في مجال الطاقة وتعزيز التكامل الإقليمي، ستعمل هذه المشاريع على تعميق العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين البلدين. لن يؤدي إكمال هذه المشاريع بنجاح إلى تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة فحسب، بل سيساهم أيضاً في استقرار وازدهار المنطقة الأوسع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس