سعيد الحاج - عربي21
الاستقطاب قدر هذه المنطقة في العقد الأخير، حتى معركة طوفان الأقصى التي استطاعت توحيد الاهتمام والمواقف بين الأغلبية الساحقة فيها ما زالت غير قادرة على توحيد النظرة لموقف إيران والأطراف المحسوبة عليها من المعركة، وفي مقدمتها حزب الله.
ثمة من يرى بأن الحزب قام ويقوم بما عليه "وزيادة"، وأنه يشتبك مع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة بما يعقّد حساباته ويقلل من تفرغه لقطاع غزة، وهناك في المقابل من يرى بأنه لم يقدم شيئاً سوى "رفع العتب" بالنظر للمعركة وتداعياتها. وكما هو حال معظم حالات الاستقطاب، فالحقيقة ليست هنا ولا هناك وإنما في مكان ما بينهما.
لكن ذلك لا ينفي من جهة ثانية أن موقف حزب الله في هذه الحرب جدلي أو يفتح المجال على الجدل، لا سيما وأن شعار "وحدة الساحات" لم يرفع فلسطينياً فقط ولكن لبنانياً كذلك، وليس أحق من استثنائية المعركة الحالية لتطبيقه. ولذلك كان السؤال الأبرز منذ بدء الحرب في السابع من الشهر الجاري يدور حول مدى انخراط الحزب فيها؛ صحيح أن هناك أطرافاً أخرى، لا سيما من الأنظمة العربية، موقفها سيئ ويتراوح بين الفشل والعجز والتواطؤ، لكن أياً منها لم يرفع شعارات تحرير فلسطين ودعم المقاومة ووحدة الساحات.
في القراءة السياسية والميدانية، كان حزب الله هو من بدأ رسائل الاشتباك مع الاحتلال حين قصف ثلاثة مواقع له في مزارع شبعا المحتلة صباح اليوم التالي للحرب (الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر)، فيما قرئ على أنه "رسالة تضامن" مع المقاومة الفلسطينية. بعد ذلك، وفي إطار الردود المتبادلة تصاعد الموقف تدريجياً لاستهداف مواقع للطرفين سقط فيها قتلى من جنود الاحتلال وشهداء من الحزب والمدنيين اللبنانيين.
لكن السمة العامة لحالة الاشتباك القائمة منذ ذلك التاريخ بين الحزب والاحتلال هو أنه تصعيد منضبط بحدود واضحة وضمن قواعد الاشتباك عموماً، مع تبدله صعوداً وهبوطاً واقترابه أحياناً من كسر قواعد الاشتباك القائمة منذ سنوات ولا سيما فيما يتعلق بالمناطق المستهدفة، وهو ما تتواتر مؤشراته في الأيام القليلة الماضية.
ثمة ما يثير حذر حزب الله من مغبة الانخراط الكامل أو حتى الواسع في المعركة، في مقدمتها الحسابات الداخلية المرتبطة بالاستقطاب في لبنان وأوضاعه الاقتصادية والسياسية، وإن كان البعض يرى أن حالة الاستقطاب فيما يتعلق بالمعركة الحالية أقل مما كانت عليه في مواجهات وحروب سابقة. كما أن الحزب يرى أنه فقد فرصة المفاجأة والمناورة بعد أن فرضت المعركة نفسها عليه ولم يسْعَ هو لها ابتداءً، كما حصل سابقاً أو كما هو حال المقاومة الفلسطينية اليوم، ويضع الحزب في حسبانه كذلك انعكاسات هذا الانخراط المفترض والمنتظر على الداخل اللبناني من جميع الزوايا.
ولذلك، كانت ثمة مؤشرات على عدم تحمّس الحزب لرفع مستوى انخراطه في المعركة والحفاظ على المستوى الحالي أطول مدة ممكنة. ومن مؤشرات ذلك إرسال رسائل من أطراف أخرى محسوبة على إيران مثل الصواريخ والمسيّرات التي أطلقت من اليمن واستهداف القواعد الأمريكية في كل من سوريا والعراق.
تبعاً لكل ما سبق، ثمة تقدير لدى الكثيرين بأن الحزب سيحصر انخراطه بشكل موسع في الحرب بتطورين رئيسيين: احتمال انكسار المقاومة الفلسطينية في غزة و/أو الهجوم البري الشامل الذي سيعني تهجير سكان غزة.
وهنا يطرح السؤال: ماذا لو أجّل الاحتلال هجومه البري كثيراً أو حتى أخرجه من حساباته بالكامل مرحلياً مستمراً بقتل المئات من سكان غزة يومياً، ما العمل حينها؟ يبدو أن كتائب القسام قد وضعت ذلك في حسبانها، ولذلك بدأت بالمناورة والمبادرة في خطوات مثل اقتحام قاعدة زيكيم ومعبر إيرز وتوسيع نطاق القصف الصاروخي وأثره. فماذا عن حزب الله؟
إن انخراطاً أوسع للحزب اليوم في معركة طوفان الأقصى نحو الانخراط الكامل بات ضرورة، ليس فقط دعماً للمقاومة الفلسطينية، ولكن كذلك -بحسابات براغماتية- من أجل الحزب نفسه، صورته وشعبيته وكوادره وشعاراته المرفوعة. وفي كل حال، فإن استمرار تأخير خطوة من هذا النوع ستكون له ارتدادات سلبية على كل ذلك، إذ قد لا يكون ثمة أثر و/أو تقدير لخطوته "المتأخرة" مهما كانت جيدة، فضلاً عن أنه يدرك جيداً أن الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية وإضعافها -وليس فقط إنهاؤها- سيعني أن الدور القادم عليه ولا شك.
ثمة من يرى ويؤكد بأن هناك حالة تنسيق دائم وكامل بين غزة والضاحية الجنوبية وأن المستوى الحالي من انخراط حزب الله في المعركة متفق عليه و/أو مرضي عنه، وهو أمر تناقضه التصريحات المتكررة لعدد من قيادات حماس ركزت على فكرة شكر الحزب على ما قدم ومطالبته بالمزيد، وآخرها خطاب الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة والذي جدد فيه "دعوتنا ومطالبتنا لشرفاء أمتنا ولكل أحرار ومجاهدي المنطقة.. أن يهبوا لقتال هذا العدو معنا".
من جهة ثانية، فإن غياب الأمين العام للحزب حسن نصر الله عن الظهور العلني والإعلان بنفسه عن موقف الحزب من الحرب وتوجهاته المستقبلية؛ يرخي بظلال سلبية على موقف الحزب، وإن كان في بعض تأخره معنى الغموض، لكن التأخير كثيراً ليس من الصالح.
لذلك، بات من الضرورة أن يرى الجميع تطويراً لموقف الحزب من المعركة، كخطاب وفعل، بما يوازي استثنائية المعركة والتوقعات منه إزاءها، ويوازن التطورات الميدانية والسياسية، ويخفف حقاً وفعلاً عن غزة ومقاومتها بما يمكن وينبغي أن يؤثر على مسار الحرب وتداعياتها على المديين القريب والبعيد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس