
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، محكمة غزة التي عُقدت جلستها الختامية في جامعة إسطنبول، بوصفها مبادرة رمزية تستند إلى ضمير الشعوب لمحاسبة إسرائيل والدول الداعمة لها على جرائم الإبادة في غزة.
يوضح الكاتب أن المحكمة استُلهمت من محكمة راسل ضد حرب فيتنام، وتهدف إلى إحياء مفهوم العدالة الشعبية في ظل عجز النظام الدولي عن محاسبة الجناة. ويبرز رؤية المفكر ريتشارد فولك، الذي يؤكد أن العدالة تصبح مسؤولية الشعوب عندما تتخلى عنها الحكومات.
كما يسلط الضوء على البعد الاستعماري والاستيطاني في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وعلى أهمية منح صوت مباشر لأبناء غزة في توثيق معاناتهم ومقاومتهم. وفيما يلي نص المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق:
قبل أيام من انعقاد الجلسة الختامية لمحكمة غزة في إسطنبول، قرأت مقالًا لريتشارد فولك حول المحكمة نُشر في موقع "ميدل إيست آي". وذكر فولك أن الجلسة الختامية ستُعقد في الفترة ما بين 23 إلى 26 أكتوبر 2025 في جامعة إسطنبول. وتضمن المقال عبارات مهمة حول مصدر إلهام المحكمة ومهمتها وأسسها وأهميتها. ووفقًا لما نقلته وكالة الأناضول، فقد انعقدت الاجتماعات التحضيرية للمحكمة ـ التي تستند إلى ضمير الشعوب ـ في لندن بشهر نوفمبر 2024، وتلاها الاجتماع الثاني في سراييفو بشهر مايو 2025.
ويشير ريتشارد فولك إلى أن محكمة غزة استُلهمت من محكمة راسل الشهيرة، التي نظمها المفكران البارزان برتراند راسل وجان بول سارتر خلال حرب فيتنام بين عامي 1966 و1967، والتي هدفت إلى توثيق الجرائم الدولية التي ارتكبتها الولايات المتحدة وإضفاء الشرعية على تصاعد المشاعر المناهضة للحرب في الغرب. ويوضح فولك في مقاله الأساسَ الفكري الذي تستند إليه المحكمة قائلاً: "عندما يفشل نظام الدول في تطبيق القانون الدولي، أو يفشل في محاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تؤثر على السلم والأمن العالميين، فإن للأفراد تفويضاً ومسؤولية دائمة للتصرف".
ريتشارد فولك هو المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في فلسطين، وقد قاد مشروع محكمة غزة. وكما أشار فولك، فإن الدول التي تشكل أساس النظام الدولي لا تطبق القانون أو تُحاسب إسرائيل على جرائم الإبادة في غزة، ولا تستطيع محاسبة الأفراد المسؤولين عن الجرائم الخطيرة التي تؤثر على السلام والأمن العالميين. ويضيف: "هذه التطورات تجعل المحكمة أكثر أهمية من أي وقت مضى. فعندما تتخلى الحكومات والمؤسسات الدولية عن العدالة، يصبح الحفاظ عليها مسؤولية الناس العاديين." وهذا يبرز بوضوح أهمية محكمة غزة.
وكما أُعلن سابقاً، عُقدت الجلسة الختامية لمحكمة غزة في جامعة إسطنبول خلال الفترة الممتدة من 23 إلى 26 أكتوبر 2025. وقد كانت الأخبار التي نشرتها وكالة الأناضول حول الجلسات قيّمة للغاية، حيث أشارت إلى أن الاجتماعات هدفت إلى دراسة جرائم الإبادة الإسرائيلية وانتهاكاتها المتعددة بحق أهل غزة وتسليط الضوء عليها وجذب انتباه المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار، كان لمداخلات المتحدثين من غزة عبر البث المباشر أمام أعضاء المحكمة أهمية بالغة. فبالإضافة إلى ارتكاب إسرائيل جميع جرائم الحرب، كانت تتبع استراتيجية تتعمد إنكار وجود الفلسطينيين كطرف محاور. وهذه في جوهرها إحدى الركائز الأساسية للمواجهة الاستعمارية، حيث دأبت الدول الاستعمارية على إسكات أصوات أهل الأرض الأصليين، وكانت تفضل أن يتحدث غيرهم نيابة عنهم. فيما يبدو واضحاً أن محكمة غزة أولت أهمية كبيرة لتحدث الفلسطينيين عن أنفسهم، وهو ما تؤكده قائمة المتحدثين. فما الذي يُحاكم في هذه المحكمة تحديداً؟
أوضحت الناشطة الفلسطينية هالة شومان، في كلمتها أمام أعضاء المحكمة، أن ما يُحاكم في الأساس هو أيديولوجية الاستعمار الاستيطاني. ووفقًا لوكالة الأناضول، بعد سرد شومان لجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، قالت: "كل هذه الأمور جزء من أيديولوجية الاستعمار الاستيطاني، لأنهم يريدون الاستيطان في تلك الأراضي وتهجير السكان الأصليين، وبالتالي يقتلونهم ويشردونهم ويستقدمون مستوطنين من الخارج."
ولا أرغب في سرد جرائم الحرب التي وُثقت وسُجلت في محاضر المحكمة بالتفصيل في هذا المقال؛ إذ يمكن الرجوع في ذلك إلى أخبار وكالة الأناضول والمؤسسات الإعلامية ذات الصلة. ولكن من الضروري أن نؤكد بإصرار على النضال الفلسطيني ضد الاستعمار. إذ أسفر هذا النضال عن "تآكل شرعية إسرائيل كدولة وتهميشها على نطاق واسع". وكما عبَّر فولك، فإن الفلسطينيين هم "الطرف الذي فاز في معركة الشرعية، رغم ضعفهم العسكري". إن الفوز في معركة الشرعية هو السمة المشتركة لحركات النضال المناهضة للاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية. إسرائيل هي دولة استعمارية بمشاركة فعلية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وبالتالي، فإن المحاكمين في محكمة غزة هم بريطانيا والولايات المتحدة أيضاً.
مهما تحدثنا عن أهمية محاكمة الجرائم الاستعمارية للمملكة المتحدة والولايات المتحدة عبر إسرائيل، فإنه لا يكفي. ويمكنني القول إن النقاشات في تركيا، خاصة فيما يتعلق بتورط بريطانيا في الإبادة الجماعية في غزة، محدودة للغاية. ومن هذا المنطلق، فإن محاكمة أيديولوجية الاستعمار في محكمة غزة تعد أمرا بالغ الأهمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!










