محمود عثمان – خاص ترك برس

لا تزال ردود الفعل وعلامات الاستفهام قائمة بشأن الهجوم الانتحاري الذي نفذه تنظيم داعش في مدينة سوروج وراح ضحيته 32 ناشطا من جملة 300 ناشطا مقربين من حزب الشعوب الديمقراطي كانوا يستعدون للتوجه إلى عين العرب كوباني من أجل تقديم الدعم لسكانها وإعادة إعمار بعض المرافق الخدمية فيها .

تقارير الشرطة التركية وملابسات الحادث تثير قدراً كبيراً من علامات الاستفهام حول تواطئ جهات سهلت تنفيذ هذا العمل الإجرامي الذي راح ضحيته شباب في مقتبل العمر . وثمة شكوك تدور حول الغياب التام لقيادات حزب الشعوب الديمقراطي . إذ الجمعيات المشاركة والنشطاء ليسوا سوى مؤسسات رديفة وداعمة للحزب وبتعبير أدق هي جزء من الحركة الكردية التي يقودها حزب العمال الكردستاني.

يذهب بعض المحللين إلى أن غياب رئيس بلدية سوروج الذي ينتمي لحزب الشعوب الديمقراطي عن فعاليات تقام في المركز الثقافي التابع لبلديته، بالرغم من أن حزبه هو الداعي لهذه النشاطات والفعاليات والراعي لها، وكذلك غياب قياديي الحزب ومسؤوليه عن المؤتمر الصحفي الذي يعد ذروة هذا النشاط لا يمكن أن يكون محض صدفة . كما أن الصور التي وزعها البوليس التركي على الصحافة تظهر بوضوح أن منفذ العملية دخل مكان الحادث دون سؤال أو تفتيش ! وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بمساعدة من جهة ما، إذ تتولى عملية التفتيش شركات خاصة تتعاقد معها البلديات كما هو معمول به في جميع أنحاء تركيا . كما أنه من البديهي في مثل هذه الحالات أن يتم اتخاذ احتياطات أمن إضافية نظراً للزمان والمكان الذي لا يبعد سوى مئات الأمتار عن الحدود السورية التي تشهد مواجهات عنيفة بين تنظيم داعش والحزب الديمقراطي الكردي PYD ، وقد سبق لمدينة سوروج أن أغلقت مدارسها عدة مرات بسبب تلك المواجهات، فكيف يعقل أن تقوم البلدية والحزب معا بدعوة مئات من الشباب ورعاية نشاطاتهم العابرة للحدود في هذا التوقيت والمكان ثم لا يتم اتخاذ أي تدبير أو احتياط أمني ؟!.

وبدل أن يقوم الطرفان – حزب الشعوب الديمقراطي والبلدية التابعة له - بالإجابة عن هذه التساؤلات، وإزلة الغموض والغبش الحاصل فيها، فقد اتجهوا للتصعيد، وأخذوا يهاجمون الدولة التركية ويتهمونها بأنها هي من قامت بتنفيذ هذا الهجوم الإرهابي، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأشد خطورة، فدعوا الجماهير للنزول للشارع لإثارة الفوضى وافتعال أحداث الشغب، وبث حالة الهلع والرعب، بغية إقناع المواطن التركي بأن الحكومة عاجزة وغير قادرة على ضبط الأمور وإدارة شؤون البلاد، مستفيدين من قوى داخلية وخارجية تناصرهم وتشد من أزرهم ابتداء من جماعة الكيان الموازي إلى صحافة أيدن دوغان وليس انتهاء بميديا روبرت مردوخ. تلك القوى التي يجمعها العداء لحزب العدالة والتنمية الحاكم والخوف من تركيا قوية موحدة .

صحيح أن تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني يتقاتلان في سورية لكنهما يحملان نفس مشروع الإرهاب العابر للحدود .. كلاهما لا يقيم وزنا لحياة الإنسان أوالأمن والاستقرار والبناء .. كلاهما يستهدفان تركيا آخر شاطئ أمان بقي في منطقة الشرق الأوسط المنكوبة .. كلاهما يستهدفان تركيا المشروع الحضاري ورمز الإخاء الإنساني .. كلاهما يستهدفان تركيا ملاذ الخائفين المشردين ومأوى المهاجرين المظلومين .. كلاهما يستهدفان تركيا لأنها لم تسمح بتجويع السوريين وحصارهم .. كلاهما يستهدفان تركيا والعبث بأمنها القومي والتعايش السلمي بين مكونات شعبها .. كلاهما يستهدفان تركيا يريدان جرها إلى مستنقع العنف والقتل والدماء .

كلاهما يستهدفان تركيا، والجميع يعلم علم اليقين أن قوتهما لا تسمح لهما بتنفيذ أجندة كبيرة بهذا الحجم، إذ لا بد من قوى دولية وإقليمية تقف خلفهما تقدم لهما الدعم والإسناد وتدفع بهما وتوجههما بالاتجاه الذي يخدم مصالحها التي كثيرا ما تتطابق مع مصالح هذه التنظيمات الأجيرة .

كثيرا ما صرح الإيرانيون وعلى جميع المستويات حول خطورة التدخل التركي في سورية، بل ووجهوا التهديدات تلو التهديدات ضد تركيا محذرين إياها من دعم الثورة السورية والجيش الحر.

وكثيرا ما صرح مسؤولون غربيون بضرورة التدخل العسكري التركي برا لمواجهة تنظيم داعش، والغريب في الأمر أن أولئك المطالبين يرفضون تدخل قوات بلادهم البرية، والأغرب من ذلك هو إصرارهم على أن تدخل تركيا دون غطاء قانوني دولي .

أطراف وقوى كثيرة تريد الزج بتركيا في أتون الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، وخصوصا في الساحة السورية، لكن القيادة التركية شديدة اليقظة والحذر، فلن تقدم على أي خطوة لا تحظى بالشرعية الدولية مهما بلغ حد الاستفزاز.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس