محمود عثمان - خاص ترك برس

يروى أن جحا مر يوما بالسوق راكبا حماره بينما غلامه ماشيا بجانبه، فقال الناس: ياله من رجل قاسي القلب، كيف يركب هو ويترك الطفل ماشيا. فنزل جحا وأركب الغلام ثم مشى بجانبه، فقال الناس: ياله من غلام عديم الاحترام قليل الحياء، يركب هو ويترك الشيخ يمشي. فركب جحا وأردف غلامه خلفه على الحمار، فقال الناس : ياله من رجل قاسي القلب عديم الرحمة، يركب هو وغلامه على الحمار الضعيف المسكين. نزل جحا وغلامه وأخذا يمشيان يجران الحمار، فقال الناس: ياله من رجل أبله، عنده دابة ولا يركبها!.

قصة جحا وحماره يعرفها الجميع لكن المعارضة التركية تطبقها بحذافيرها مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، فالمعارضة التي ما فتئت تطالب الحكومة بمحاربة تنظيم داعش وتتهمها بدعمه والسماح للمتطوعين الأجانب بالعبور من تركيا إلى سورية من أجل الالتحاق بصفوفه، ولا تتوانى تلك المعارضة عن الاشتراك مع الصحافة الغربية الحاقدة في حملات بروباغندا وحرب نفسية إعلامية بهدف تشكيل صورة نمطية في أذهان الجميع داخل تركيا وخارجها بأن العلاقة بين تنظيم داعش وحزب العدالة والتنمية ثابتة قطعية لا نقاش فيها، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان سوف يحاكم في محكمة الديوان العليا بهذه التهمة. وقد نجحت – والحق يقال - تلك الحملات الممنهجة في حشر الحكومة وحزب العدالة والتنمية في زاوية الدفاع عن النفس والانشغال بدحض الأكاذيب ونفي التهم.

المعارضة التي كانت تعزف البارحة كالجوقة الموسيقية قائلة: أين الحكومة، أين الدولة ؟ لماذا لا تتحرك ؟ لماذا لا تقوم بعمل عسكري ضد تنظيم داعش؟. هي المعارضة نفسها اليوم التي تقف صفا واحدا ضد الحملة العسكرية التركية على التنظيمات الإرهابية. هي نفسها التي تقف ضد قرار الحكومة بضرب تنظيم داعش عقب الهجوم الانتحاري الذي نفذه داخل الأراضي التركية وأودى بحياة 32 مواطنا تركيا. هي المعارضة نفسها التي انقلبت إلى حواري سلام وأقامت الدنيا ولم تقعدها.

بقدرة قادر انقلب المطالبون البارحة بالتدخل العسكري التركي إلى أشد المعارضين له اليوم، متذرعين بأن الحملة العسكرية سوف تقوض عملية المصالحة الوطنية (المصالحة مع الأكراد)، وأنها ستقوض اقتصاد البلاد، وأن من شأنها أن تزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المبكرة المتوقعة قريبا!. متناسين أن حزب العمال الكردستاني وشقه في سورية حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وجبهة حزب التحرر الشعبي الثوري (DHKP-C) إنما هي تنظيمات إرهابية لا تقل خطورة على تركيا من تنظيم داعش. متغافلين حقيقة أن تركيا تملك معلومات كافية عن هذه التنظيمات الإرهابية، كما تملك معلومات دقيقة عن العلاقات فيما بينها، وأن تركيا تضرب الإرهاب في عمقه مستهدفة مصدره ومنبعه الذي يرتبط بنظام الأسد دون شك. وما تصريح صالح مسلم زعيم مليشيات الحزب الديمقراطي PYD عن استعداده للإنضمام إلى جيش بشار الأسد إلا دليل إضافي على ذلك الترابط العضوي وتلك العلاقة الوثيقة، ولذلك يرتعد النظام السوري ومؤيدوه خوفا من العمليات العسكرية التي تقودها تركيا.

ثم أليس الذين يتباكون على المصالحة الوطنية اليوم هم من قوضها بالأمس؟. أليسوا هم الذين نفذوا أكثر من 600 عملية شغب وإرهاب ضد الدولة التركية؟. أليسوا هم من أنزل الشباب للشوارع بحجج واهية مثل هجوم داعش على كوباني ما تسبب في مقتل خمسين مواطنا فضلا عن التخريب وحرق الممتلاكات العامة والخاصة؟. أليسوا هم من أحرق ماكينات تعبيد الطرق وقطعوا الكهرباء وزرعوا الألغام؟. أليسوا هم من خطف المعلمين والموظفين والأطباء والممرضين وقايضوا على إخلاء سبيلهم؟. أليسوا هم الذين قتل الجنود والشرطة التركية؟. أليسوا هم من أخرج الزعيم الكردي عبد أوجلان من المعادلة السياسية لأنه كان متوجها لعملية المصالحة بجدية وإيجابية؟. أليسوا هم من اختار الاستقطاب والعنف والإرهاب وتزوير الانتخابات وأدار ظهره للوفاق والمصالحة والسلم والأخوة والتعايش تحت سقف الوطن الواحد؟.

هؤلاء ليسوا حزب الشعوب الديمقراطي وحركة غولن جماعة الكيان الموازي وأرباب الشركات القابضة وبقايا الدولة العميقة فحسب، هؤلاء كل من كان يراهن على امتداد الحريق السوري إلى تركيا ليتاح لهم المجال مرة أخرى لتقسيم المجتمع شيعا وجماعات متناحرة متنافرة ليسهل عليهم حبك المؤامرات وضرب الناس بعضهم ببعض، هؤلاء الذين يقتاتون من الإرهاب ويعتاشون من ظروف التوتر وعدم الاستقرار. لماذا يريدون ذلك ويسعون إليه؟. لأنها فرصتهم الوحيدة للوصول للحكم، إذ لا سند شعبيا لهم.

وإلا فما الذي يمنعهم من توقيع ميثاق شرف وطني يستنكر الإرهاب بجميع أشكاله وصنوفه كما تفعل بقية شعوب الأرض؟!.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس