مجاهد آي ديمير - خاص ترك برس

بدأت السينما في تركيا عام 1915 بتصوير أول فيلم وثائقي يروي قصة تدمير تذكار آياستفانوس الذي نصب من قبل الروس، والذي يعد أول تجربة تركية في عالم السينما. وللاطلاع على 100 عام التي أتمتها السينما التركية، علينا أن نُفصّلها إلى المراحل التي مرت بها، ويمكننا أن نقسم هذه المراحل إلى أربعة:

أ- فترة المسرحيين

يمكن أن نسمي 30 عامًا التي مضت بين تأسيس الجمهورية التركية وانتهاء نظام الحزب الواحد، بـ"فترة المسرحيين" التي كان من روادها "محسن أرتوغرول"، كما أنّنا نُسمي تلك الفترة بـ"فترة المسرحيين" اعتمادا على طبيعة الأفلام التي تم انتاجُها وخصوصياتها ومفهوم الإبداع لدى منتجيها. فهذه الفترة التي كان يحكمها جيل من المسرحيين تحت قيادة محسن أرتوغرول، كان النوع البارز فيها التكييفات الأدبية والدراما التاريخية.

برز في هذه الفترة فيلمان، أوّلهما تم تحويله من رواية "قميص النار" لـ"خالدة أديب آديوار" التي تعكس حرارة حرب الاستقلال في تركيا. يُمكن اعتبار هذا الفيلم أول إنتاج مهم في السينما التركية من حيث حبكته الدرامية وبطولاته الناجحة، بالإضافة إلى أنه أول فيلم تلعب فيه الأدوار ممثلات تركيات ("بديعة موحد" و"نيّرة نيير"). أما الفيلم الثاني هو فيلم "هناك أمة تنهضُ" الذي كان رائدا لأفلام حرب الاستقلال التي جاءت بعده. وهو يُعد تُحفة بين أعمال محسن أرتوغرول.

افتُتِحت سينما "غلوريا" (Glorya) في عام 1930

تميّزت هذه الفترة بجوانب إيجابية لاستمرارية العمل السينمائي فيها رغم قلة الإمكانيات، واحتوت نماذج لكل أنواع الأفلام تقريبا. ومن الجدير بالذكر مرة أخرى أن دخول المرأة التركية إلى عالم السينما تحقق خلال هذه الفترة.

قبل أن نختم "فترة المسرحيين" علينا أن نتحدث عن تطور مهم بالنسبة السينما التركية. ألا وهو إصدار "قانون مراقبة الأفلام والسيناريوهات" عام 1939 كأول تدخّل قانوني في السينما من قبل الدولة. أو بعبارة أخرى، تعرّفت السينما التركية على "رقابة" من قبل الدولة لأول مرة.

نشاهد في فترة المسرحيين، جيلا تأثّر من محسن أرتوغرول، لكنه حاول أن يخرج من سيطرة المسرحية ويقترب من الفن والسينما. هذه المحاولة تُبرز نفسها في السينما التركية في تلك الفترة.

غالبية السينمائيين البارزين في هذه الفترة تلقوا تعليمهم خارج البلاد، ووجدوا فرصة للعمل في مجال السينما أو في مجالات قريبة منها (مثل هندسة الصوت أو التصوير الفوتوغرافي). وبعض هذه الأسماء: فاروق كنتش، باها كَلَنْبَوي، شادان كامل، أورهان موراد آري بورنو.

كتب الكاتب أورهان كمال عددًا من سيناريوهات الأفلام والمسرحيات التي اشتهرت في "فترة المسرحيين"

ب- فترة السينمائيين

في عام 1948، حدث تطور مهم أثّر في السينما التركية ومستقبلها بشكل كبير. حيث تم تخفيض الضرائب لبعض المجالات الترفيهية ومن بينها السينما. و بهذا التعديل الاقتصادي، تزايد عدد شركات الإنتاج بشكل كبير. لا شك أن ذلك كان تطورا اقتصاديا فقط في مجال السينما، لكنه انعكس إيجابًا على اقتصاد البلاد وارتفع إثره مستوى المعيشة للمواطنين الذين توجهوا إلى مجلالات الترفيه أكثر من ذي قبل. وأخذت السينما، كمجال للترفيه، حصتها من هذه التطورات لتصبح جزءًا مهما من الثقافة في الحياة اليومية.

مع هذه القفزات النوعية في مجال السينما، نشأت في فترة السينمائيين لغة و مشاعر ومفاهيم وتقنيات جديدة في السينما التركية. إضافة الى ذلك، ساهمت فترة الرفاهية التي عاشها الناس مع مجيء الحزب الديمقراطي إلى السلطة والمساعدات الخارجية المتزايدة، في جذب الجمهور إلى السينما.

عندما نتحدث عن فترة السينمائيين، لا شك أن أهم اسم يجب الوقوف عنده هو عمر لطفي عقاد. لم يقتصر تأثير عقاد على الفترة التي تناولها فحسب، وإنما أثر على كل الفترات التي جاءت بعده. وليس من المبالغة أن نقول إن عقاد كان  أول من وضع حجر الأساس في تشكيل لغة السينما. وقد عمل عدد من المخرجين البارزين في فترة السينمائيين مع عقاد في إنتاج عدد من الأفلام هم: متين أركصان، وعاطف يلماز، وعثمان سادان، وأرتم كورتش، وممدوح أون وخالد رفيغ.

عمر لطفي عقّاد هو من أهم الشخصيات في تاريخ السينما التركية

3- فترة يشيل جام

تمتد هذه الفترة من الستينات إلى وسط الثمانينات من القرن الماضي، وهي الفترة أكثر إنتاجًا للأفلام، وكانت تشهد مناقشات ساخنة. حيث تزايد إنتاج الأفلام بشكل كبير (حوالي 300 فيلم لعام 1971 وحده)، وكانت فترة انعكست فيها نقاشات سياسية على واقع السينما وظهرت تيارات مختلفة في الساحة السينمائية. وتدخّل السينمائيون في النقاشات السياسية من خلال إنتاجهم للأفلام. وبرزت تيارات سينمائية سياسية مثل سينما الثورة، والسينما الوطنية والسينما الشعبية.

يلماز غوني هو من أبرز نجوم "فترة السينمائيين" وهو أول ممثل تركي يحصل فيلم من بطولته على جائزة من مهرجان برلين للأفلام

السينمائي البارز في هذه الفترة هو "يلماز غوني". كانت تمتلئ صالات العرض عند عرض أفلام غوني الذي لُقِّب بـ"الملك القبيح"، فقد ساهم في كسر مفهوم أن "النجم السينمائي ينبغي أن يكون وسيمًا". غوني الذي جمع بين هويته السياسية وهويته السنمائية، هو أول شخص في تاريخ تركيا يحصل على جائزة السعفة الذهبية. وهذه الفترة كانت بداية لمشاركة الأفلام التركية في المهرجات الدولية. وكان أول فيلم تركي يحصل على جائزة الدّب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي فيلم "الصيف القاحل".

مع تزايد العنف السياسي في فترة السبعينات، بدأت العائلات تبتعد عن الصالات السينما، وشهدت الساحة السينمائية سيطرة للأفلام الإباحية. وكان ذلك مؤشرًا على أزمة تعيشها السينما في المستقبل القريب. بحيث اعتبارا من الثمانينيات مع انتشار التلفاز وأجهزة الفيديو تركت صالات السينما مكانها لمواقف السيارات والمراكز التجارية والمساكن الفاخرة. وبعد أن كانت السينما التركية تنتج 300 فيلم سنويا، وصل الإنتاج السنوي في عام 1991 إلى 30 فيلما.

د- السينما التركية الحديثة

بدأ إنتاج وتوزيع السينما التركية بالتراجع أكثر فأكثر في بدايات التسعينات مع دخول شركات التوزيع الأمريكية إلى السوق. ولكن هذه المرة، أخذت القنوات التلفزيونية دور إحياء السينما. ودخلت إلى عالم السينما أسماء ووجوه جديدة بفضل سلسلة أفلام متتالية. وانتعشت السينما التركية ونهضت من عثرتها مع بعض المخرجين المستقلين الذين أبدعوا أعمالا بنمطية مختلفة مثل نوري بيلغة جيلان ودرويش زعيم ويشيم أوسطة أوغلو وزكي دمير كوبوز.

وفي الثمانينيات، توجه الجمهور إلى الأفلام التركية من جديد بعد النجاح الذي حصل عليه فيلم "قاطع طريق" للمخرج ياووز طورغول الذي دخل إلى عالم السينما بغنتاج أفلام كوميدية. وفي سنوات الألفية الجديدة، شهدت السينما التركية نهضة جديدة مع الدعم المؤسساتي من الدولة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!