محمود عثمان – خاص ترك برس 

لا تزال مشاهد اللاجئين السوريين في البحار والمحطات والموانئ والحافلات والقطارات تشغل اهتمام الرأي العام العالمي، وتتصدر المرتبة الأولى في وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة. وبينما تسلط الأضواء على الجانب الإنساني لمعاناة هؤلاء اللاجئين يتم تجاهل ونسيان السوريين الآخرين داخل وطنهم الذين يعانون أحوالا معيشية قاسية !.

يقف غالبية السوريين والشباب منهم على وجه الخصوص ممن لم ينخرطوا في أحداث الثورة أمام خيارات صعبة للغاية، حيث تلفهم الأخطار من كل جانب، أخطار تجسدها البراميل المتفجرة وقصف الطيران الحربي، ورصاص القناصين، والمفخخات وغيرها مما أصبح جزءا من أدوات الحرب اليومية ، ولعل أشد هذه الأخطار وأكثرها رعبا هو الاعتقال من قبل قوات النظام والشبيحة.

في الطرف المقابل هناك من يعتبر أن هذه المخاطر ما هي إلا حجة وذريعة للهروب والنأي بالنفس عن معاناة الوطن ، بل اللجوء سبب رئيسي لتغيير ديمغرافي تسعى إليه إيران وتنفذه أدواتها في سورية النظام وحزب الله ، وقد بدى ذلك واضحا جليا في المفاوضات بين تنظيم أحرار الشام وإيران ، حيث اشترطت الأخيرة إفراغ منطقة الزبداني من أهلها ، وتوطين سكان الفوعة وكفريا الذين ينتمون للمذهب الشيعي الإثنا عشري الذي تدين بها إيران ، في مشهد يعيد للأذهان سيناريو تفريغ بغداد من أهلها السنة ، عقب مذابح مروعة وتهجير قسري لدول الجوار ساهم نظام الأسد بدور رئيسي في تكريسه من خلال تسهيل لجوء العراقيين إلى سورية .

تشير بعض الدراسات إلى أن كثير من اللاجئين السوريين لأوربا لم يأتوها من سورية، بل من دول أخرى مثل دول شمال أفريقية وبعض الدول العربية حيث لم يكونوا يتعرضون هناك لمخاطر تذكر ، ولم تكن هجرتهم إلى أوربا من أجل حماية النفس أو تحصيل لقمة العيش، إنما لتحسين ظروف العيش والاستفادة من نعيم وخيرات ونمط الحياة الأوربية، والبحث عن مستقبل أفضل .

أعرف شابا في الثلاثين من عمره حصل على فرصة عمل في اليوم التالي لوصوله مدينة إسطنبول قادما من حلب، لكنه ترك عمله وهاجر إلى ألمانيا مع جملة المهاجرين، ومثله كثير .. بل يمكن الجزم بأن جميع السوريين الموجودين في تركيا - رغم صعوبة الغربة وقساوتها – يعيشون حياة مستورة ومقبولة إلى حد ما، دون أن تنقصهم أساسيات العيش الكريم، وهنا لا يمكن إنكار فضل الأتراك حكومة وشعبا، ودور منظمات المجتمع المدني، التي تؤمن أقصى درجات التكافل الاجتماعي .

نزوح السوريين بهذا الكم الهائل ، وحفاوة الاستقبال المفاجئة التي أبدتها بعض الدول الأوربية - نستثني من ذلك المبادرات الإنسانية من قبل المواطنين الأوربيين أو من منظمات المجتمع المدني - بدأت تطرح تساؤلات جديرة بالبحث والدراسة والاهتمام ...

لماذا تبذل بعض الدول الأوربية جهودا كبيرة  وأموالا طائلة في سبيل استقبال اللاجئين السوريين، بينما تبخل بعشر معشارها من أجل حل الأزمة السورية من جذورها ؟.. في وقت تصنف فيه هذه الدول نفسها صديقة للشعب السوري، وتطالب بشار الأسد بالرحيل، وتعتبره غير شرعي !.

لماذا لا تخفف هذه الدول من معاناة هؤلاء اللاجئين فتمنحهم تأشيرة دخول لبلادها من خلال قنصلياتها في دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن، بدل أن تضطرهم لدفع جميع ما يملكون للمهربين وتجار البشر، وركوب البحار وتجشم عناء السفر مسافات طويلة محفوفة بالمخاطر في الفيافي والجبال والوديان، مادام موقفها إنساني بحت!.

لماذا يهرول رؤساء ووزراء الدول الأوربية إلى إيران وهم يعلمون يقينا أنها دولة محتلة لسورية ؟ .. ثم يدلون من طهران بتصريحات تمنح الشرعية للقاتل بشار الأسد ونظامه المتسبب الأول في تشريد هؤلاء اللاجئين؟!.

يثير اللجوء إلى أوربا قلق الغيورين على مستقبل سورية وطنا وشعبا وتركيبة سكانه،  حيث من الصعب جدا رجوع أولئك اللاجئين حتى لو استقرت الحال وانتهت الحرب، وسيحرم الوطن خصوصا من جيل الشباب المنتج المؤهل علميا في وقت هو بأمس الحاجة إليهم في عملية البناء وإعادة الإعمار، بينما تلتقطهم أوربا كوادر مؤهلين جاهزين للإنتاج والعطاء.

يبقى ما طرحنا على وجه العموم ولا يشمل الحالات الخاصة – على قلتها – التي يمكن تصنيفها في خانة الاضطرار .

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس