إتيان مهتشوبيان - صحيفة أقشام - ترجمة وتحرير ترك برس

ليس من السهل تخطيط وتنفيذ عملية إرهابية، ولذلك فإنّ احتمال وجود أيادٍ خفية تقف خلف المجزرة التي حصلت في أنقرة هو احتمال واقعي، لأنّ القيام بمثل هذه العملية يتطلب حساب أبعادها وانعكاساتها السياسية أولا، وكذلك أخذ دعم القوى صاحبة النفوذ وتوقع ردود فعلها حول مثل هكذا عمليات، وبعد ذلك يتم اختيار الزمان والمكان، وتحديد أقل النتائج المتوقعة، ثم الاختيار الدقيق و"الصحيح" لمنفذي العملية الانتحارية، وتجهيزهم نفسيا وزرع الحماس في نفوسهم وإعطائهم كل التعليمات اللازمة في حال تغيّر الحالة والظروف الميدانية.

كل هذه الأمور لا تتم ببساطة، لأنّ غالبية الذين ينفذون هذه العمليات الانتحارية لا ينفذونها لأنهم حاقدون يريدون الانتقام ممّن سيقتلونهم، ولكنهم في الغالب سيفجرون أناسا لا يعرفونهم، ولهذا فإنّ عملية إقناع منفذي مثل هذه الهجمات الانتحارية، هو أمرٌ ليس بالسهل.

مَن قام بهذا الهجوم إذًا؟ المشكلة تكمن في وجود "شركات" محترفة في هذا المجال، بمعنى آخر، ربما يكون هناك اختلاف كلي بين الجهة الآمرة والجهة المخططة للعملية بصورة مباشرة، والأشخاص المنفذين لها، والوضع الراهن في الشرق الأوسط وفي محيط تركيا يبرهن هذا الأمر، وإذا أردنا الحديث بالأسماء عن الجهة التي تقف خلف هذا الهجوم، لبدأنا بقائمة طويلة تبدأ من إيران وسوريا وأجهزتها الاستخبارية، وداعش، لأنّ هذه الأطراف لا تخفي بأنها قامت بمثل هذه العمليات في السابق، وتستمر القائمة بأسماء حزب العمال الكردستاني وجبهة حزب التحرر الشعبي الثوري المتطرفة، لكن حدوث هذا التفجير الارهابي في العاصمة التركية أنقرة يزيد من احتمالية أن تكون الجهة الموجهة من خارج تركيا.

الهدف هو أنْ تنطوي تركيا على شأنها الداخلي وإضعاف تأثيرها في الشرق الأوسط، ويريدون بكل وضوح أنْ لا يكون لتركيا أي دور في المعادلات الجديدة التي يتم رسمها في المنطقة. ونستطيع القول أيضا بأنّ هناك عناصر داخلية كانت "ترغب" بحصول نتائج مماثلة لنتائج تفجير أنقرة الارهابي، حيث كانوا يريدون أنْ يدفعوا المجتمع نحو الأسوء، وخلق حالة من عدم الثقة بالدولة، ومحاولة شلّ عمل الحكومة، وإيجاد فراغ حكومي، وإنهاء السلم الأهلي.

وعلينا التذكر بأنّ هذه العملية جاءت في الوقت الذي كان يتم فيه الحديث عن أنّ حزب العمال الكردستاني ينوي وقف إطلاق النار، وتزامنت العملية أيضا مع توجيه الحكومة التركية لعمليات واعتقالات ضد داعش داخل تركيا، ولا شك أنّ هناك علاقة وطيدة بين القضية الكردية التي أصبحت أداة لكل القوى الإقليمية، وبين توقيت وأهداف ومكان المجزرة الدموية.

إذا استمرت تركيا في سياستها المدنية والديمقراطية، سوف تستطيع حينها أن تضمّد هذا الجرح أيضا، لكن إذا خرج الإعلام ليصور لنا بأنّ المتظاهرين في محافظة اسكيشهير على أنهم يتظاهرون ضد الشرطة وأنّ ما يحصل هو  مواجهات بين "الشعب والدولة"، حينها ليس من الصعب توقع امتداد هذه "اللعنة" إلى ما بعد الانتخابات المقبلة.

ولذلك على المسؤولين السياسيين الأتراك التصرف بمسؤولية في هذه الفترة الحساسة، وعليهم أن يدركوا بأنّ تصرفهم في هذه الفترة سينعكس على مستقبل تركيا، وإذا ما غلبت الحكومة العقل السليم والهادئ على تصرفاتها، سنستطيع حينها إعادة إحياء السلام الداخلي، لأنّنا ندرك بأنّه من الصعوبة بمكان أنْ نصبح أقوياء في الخارج بدون أن نفتح كل الطرق أمام السلام الداخلي.

لكن صلاح الدين دمرطاش مع علمه بذلك، إلا أنه لا يفعل ما بوسعه من أجل السلام، ومن المؤسف جدا أنْ نرى سقوط هذا السياسي الشاب في وحل الانتهازية وضعف الأخلاق في حياته السياسية بهذه الفترة القصيرة.

عن الكاتب

إتيان مهتشوبيان

عضو لجنة الحكماء وكاتب في صحيفة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس