عبد القادر سلفي - صحيفة يني شفق - ترجمة ترك برس

رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، وخلال توزيع المهام للتشكيلة الوزارية الجديدة أجرى تغييرين هامين وهما.

الأول: قام بإلحاق رئاسة الشؤون الدينية برئاسة الوزراء. وبذلك تكون الشؤون الدينية مرتبطة برئيس الوزراء مباشرة مثل رئاسة الأركان و هيئة الاستخبارات العامة.

الثاني: ربط تسيير أمورالمصالحة الوطنية برئاسة الوزراء مباشرة. حيث أن مسألة المصالحة الوطنية كانت من أولويات الحكومة الماضية التي كان أردوغان يترأسها.

في الحقيقة، إن مسألة المصالحة الوطنية من المسائل الهامة التي تستحق إلحاقها برئاسة الوزراء. وبما أن الحزب يهدف إلى إنهاء مسألة المصالحة في العام المقبل، فإن داود أوغلو بهذه الخطوة قام برفع أهمية هذه المسألة وبنفس الوقت جعل نفسه عنوانا لهذه العملية.

إن اختيار مساعد رئيس الوزراء "بولاند أرنتش" لتسيير أعمال مسألة المصالحة، كان اختيارا صائبا. لا سيما أن أرنتش يتمتع بخبرة سياسية عالية وله مكانة خاصة في المناطق التي يقطنها غالبية الأكراد. ومن جهة أخرى نجد أن "يالجين بولوت" هو أيضا ضمن قائمة الأشخاص الذين سيتابعون مجريات هذه العملية. ومن المعروف أن بولوت كان ملما بكل جوانب مسألة المصالحة عندما كان يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء في الحكومة السابقة.

الآن أود أن أدون بعضا من ملاحظاتي على أداء داود أوغلو في اجتماع حزب العدالة والتنمية في البرلمان.

كنا ننتظر رئيس الوزراء عند مدخل القاعة المخصصة لاجتماعات حزب العدالة والتنمية في البرلمان. وكان الوزراء قد خرجوا للتو من اجتماع الوزراء. فرأيتهم يسرعون الخطى كي لا يتأخروا على اجتماع الحزب.

على مر سنين طويلة كان أردوغان يدخل من هذا الباب. أما الآن فقد بدأ داود أوغلو بالدخول بصفته رئيسا للوزراء. فقد كان في استقباله حشد كبير من أعضاء الحزب عند باب القاعة. دخل داود أوغلو القاعة وسط تصفيق شديد وشعارات تؤكد دعم الجميع له ومساندته. ومن ثم صعد داوود أوغلو إلى الكرسي المخصص لإلقاء الخطاب الذي تعودنا أن نرى أردوغان فيه.

كيف تحدث أحمد داود أوغلو؟ لقد تحدث مثل أحمد داود أوغلو. بطريقته وأسلوبه. فنحن لا ننتظر من داود أوغلو أن يكون مثل أردوغان في خطاباته. فذاك أردوغان وله أسلوبه وهذا داود أوغلو وله طريقته في الخطاب. ونحن بحاجة إلى الاثنين معا.

لقد أكسب حزب العدالة والتنمية السياسة بعضا من قيمه. فهؤلاء عندما بدؤوا بالسير في هذا الطريق، وصفهم البعض بالمجددين، لكنهم أعلنوا أن حركتهم ما هي إلا استكمال للحركة "الأردملية" التي تعني الحركة الفاضلة.

لم يكن أحمد داود أوغلو ضمن القائمة الذين أسسوا هذه الحركة، لكنه شارك في هذا التأسيس من خلال أفكاره ومقترحاته. ولهذا السبب قام رجب طيب أردوغان وعبد الله غُل في الماضي بعدة زيارات له من أجل دعوته للانضمام إلى هذه الحركة. وقد تذكرت خلال خطابه في قاعة الاجتماع تلك الايام. حيث قال "نحن عائلة واحدة وأتمنى أن تبقوا بجانبي في تسيير أمور هذه الحركة المقدسة التي استلمت لواءها من الرئيس رجب طيب أردوغان" وكان داود أوغلو قد شدد على موضوع الوفاء خلال حديثه في مؤتمر حزب العدالة والتنمية الاستثنائي.

كان يتمتع الرئيس رجب طيب أردوغان بلهجة خطابية رائعة. وكان يتحدث بطلاقة لا مثيل لها. أحيانا كان يتقيد بالقراءة عن الورقة، وأحيانا أخرى كان يخرج عنها. ولكنه وبكل الأحوال كان يجيد التحدث والخطاب.

أما داوود أوغلو، فهو يتبع أسلوب الارتجالية في خطاباته. فهو لا يرفع صوته. يتحدث بعقلانية تامة لكنه لا يهمل جانب العاطفي أيضا. فقد أشار عدة مرات إلى أنهم يتحدثون بلغة الأحاسيس. كما أنه ليس ببعيد عن لغة المشاحنات السياسية. وعلى الرغم من عدم تفضيله استخدام تلك اللهجة، إلا أنه يجيد استخدامها عندما يستدعي الأمر ذلك. ومن إحدى ميزاته الخطابية، أنه يستطيع أن يرد على الشعارات التي تطلق في قاعة الاجتماعات بطريقة ماهرة. وفي هذا الصدد سمعت أن الشعارات التظاهرية في مدرجات قاعة حزب العدالة والتنمية ستلغى قريبا.

تراه في بعض الأحيان كرئيس حزب، يطلق وعودا سياسية. وفي بعض الأحيان تجده كرئيس للوزراء يطرح حلولا لمشاكل البلاد. وفي بعض الأحيان تلقاه يدخل في النظريات والتحليلات كونه أكاديمي.  تراه يستخدم اللغة الأكاديمية بوصفه مدرسا بارعا، كما تجده يتقن استخدام اللغة السياسية عندما ينتقد المعارضة.

إن داود أوغلو على الرغم من إتقانه لغة النقد، إلا أنه لا يستخدم كلمات نابية في انتقاداته. والدليل على ذلك الانتقاد الذي وجهه للنائب "أنغين التاي" عن حزب الشعب الجمهوري الذي رمى كتاب الدستور على الأرض تعبيرا عن عدم رضاه عن اليمين الدستوري لرجب طيب أردوغان. حيث عبر عن سخطه بقوله "إنه لم يأخذ نصيبه من الكتاب" ومعلوم أن داود أوغلو أمضى حياته بين الكتب. فللكتب مكانة خاصة لديه.

عندما أستمع إلى خطابات داود أوغلو، أدرك أن شريان السياسة ينبض دائما في قلب هذا الرجل. فهو يحدد الأهداف السياسية لحزبه ويقوم في بعض الأحيان بانتقاد المعارضة بشكل مؤثر. ففي خطابه الأخير في قاعة اجتماعات الحزب، كان يتحدث بأسلوب عذب وسلس من دون أن يرفع صوته. فما رأيته إلا أن رفع وتيرة حديثه عند انتقاده لزعيم المعارضة كمال كلتشدار أوغلو الذي أعلن أنه لن يعقد أي لقاء مع رئيس الجمهورية. حيث قال في هذا الصدد "أنا لا أقول إن كلتشدار أوغلو سيتحدث مع رئيس الجمهورية رغما عنه، ولكن سترون كيف أنه سيذهب إلى الرئيس ويتحدث إليه".

إنني متأكد أن داود أوغلو سوف يرفع من مستوى السياسة، وأنه سيكسب سياستنا من قيمه. كما أنني متأكد أنه سيدافع عن الرئيس أردوغان وعن إرادة الشعب التركي. عندها لن يستطيع أحد إعاقة هذه القوة.

خطاب داود أوغلو بالأمس في صالة الاجتماع، كان بمثابة الامتحان له. وقد برهن أنه نجح في هذا الامتحان.

عن الكاتب

عبد القادر سلفي

كاتب في صحيفة حرييت


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس