رداد السلامي - خاص ترك برس

تكمن الاستثنائية القيادية بأردوغان في أنه مزج بين سمتين بارزتين قلما تجدهما في قائد آخر، وهما: القيادة المستندة إلى وعي بالتاريخ وإلى الأخلاق كلازمة أساسية لتحقيق معنى الإنسان، فالتخلي عن الأخلاق في الفلسفة الأردوغانية الإسلامية يعني تفكيكًا لتماسك الذات، ووقوعها في فخ اللا استقرار، وعدم الحصول على عائد القوة من قيمة الصدق والثبات على الموقف الحق فأردوغان جعل من موقفه الأخلاقي تجاه القضايا الذاتية والموضوعية مرتكزًا أساسيًا لحيازة القوة الروحية التي بدورها تترابط مع مسعى حيازة القوة المادية بمختلف أشكالها.

كاريزما أردوغان تعود في جذورها إلى نوعية الفكر والإدراك وحسن التفسير لماضي أمته المدرك، وصولًا إلى استكناه المقومات القوية التي حازها أجداده العثمانيون الذين حكموا نصف الكرة الأرضيّة، كما أن جذور هذه الكاريزما تعود إلى أن المجتمع الذي انبثق منه أردوغان يمتلك خصائص القوة الروحية التي شكلت ماضيه والتي آمن بقدرتها على تشكيل حاضره، فكان أردوغان منتج وعي أمته الذي استطاع التناغم معه لتحقيق انطلاقه قوية جعلت لتركيا اليوم مركزية عالمية قوية وجاذبة.

ظل أردوغان الذي يقود تركيا القوية يساند المستضعفين ويناصرهم ويذكر بهم في كل محفل ومناسبة، واخترع رمزية تثبيت الوعي بهذه القضايا حتى لا تنسى، كل هذا يفعله أردوغان من منطلق قيمي وأخلاقي راسخ في تكوينه النفسي.

ولما سئل أردوغان مرة عن سر نجاحه وفريقه معه، هذا النجاح السريع والباهر أجاب: "لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه، إنه (الإيمان)... لدينا الأخلاق الإسلامية، وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام...". بهذه الكلمات القليلة ترجم اردوغان حقيقة نجاحاته وفريقه المؤمن، فالسياسة الحقة لا يمكنها القيام بأي دور إيجابي دون رد اعتبار للأخلاق والمباديء ودون الانطلاق منها.

أما سلوك أردوغان السياسي على المستوى الداخلي والخارجي فهو يقول بوضوح للزعماء العرب ودوّل العالم: لا يكفي أن نؤمن، بل ينبغي أن نمارس هذا الإيمان. ويقول لقادة القوى المتغطرسة: إن حياة الأمم والشعوب وتعايشها لا تستقيم إلا بأن تحكم بناء الحواجز داخل ذاتها، وأن لا تتعدى على حقوق غيرها، وأن تتظافر جهودها جميعا لتحقيق ما فيه خير الإنسانية بغض النظر عن معتقداتهم.

لهذا تبقى تركيا استثنائية في هذا العالم، ويبقى قادتها حتى اللحظة استثنائيين.

عن الكاتب

رداد السلامي

صحفي يمني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس