محمود سمير الرنتيسي - خاص ترك برس

ساقني القدر لأركب مع سائق تاكسي في تركيا بعد ظهور نتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، ولأن أسعار التاكسيات مرتفعة في تركيا فإنني من النادر أن أستقلها، وذلك عندما ينتهي وقت عمل الحافلات العمومية التي تنقلك إلى حيث تريد بأسعار قليلة مقارنة بالتاكسي.

على كل حال شعر السائق من لهجتي بأنني أجنبي فقال لي من أين أنت قلت من فلسطين، فقال أعانكم الله على حالكم وخلصكم من الظلم فقلت له إن شاء الله. وجاء الدور على لأسأله عن حاله ورأيه في وضع البلد بعد فوز حزب العدالة والتنمية، وفي الحقيقة إن العدد القليل الذي مر علي من سائقي التاكسي أغلبهم يؤيد حزب العدالة والتنمية لأن الحزب كان له دور في تحسين وضعهم المعيشي ورفع أجورهم.

قال لي الرجل إن البلد تسير إلى الفوضى وليس إلى الاستقرار، فقلت له كيف هذا أليست حكومة الائتلاف هي التي من الممكن أن يكون معها الخلاف وعدم الاستقرار، فقال لا بالعكس انظر إلى ألمانيا هناك لديهم حكومة ائتلافية والأمور لديهم مستقرة، فقلت له إن تركيا ليست ألمانيا وهناك فروق كبيرة. ولكن دعنا من هذا ولننظر إلى وضع الليرة التركية كم كانت قبل الانتخابات وكيف صعدت بعد الانتخابات؟

سكت السائق ثم قال لكنهم ديكتاتوريون ويريدون السير بنا إلى النظام الرئاسي وتكريس الديكتاتورية، فقلت له أليس الوصول للنظام الرئاسي إن حصل سيكون باستفتاء الشعب وأخذ رأي الناس، فقال لي إن الذي يقود البلاد ويقصد الرئيس رجب طيب أردوغان هو خريج مدرسة الأئمة الخطباء وهو يستخدم الآيات والأحاديث لخداع الشعب، فقلت له إن الشعب التركي واع ولا يخدع، فقال بالعكس بل إن الشعب التركي جاهل (يبدو أنه متأثر جدا بنتيجة الانتخابات!!!) فقلت في نفسي (أنت سائق ديكتاتور ترى الشعب جاهلا من مقعد سيارتك فكيف لو جلست على مقعد القرار).

من وحي هذا الحوار الذي دار لدقائق حثني عقلي لعمل مقارنة بسيطة بين تركيا وبين عمالقة الديكتاتورية في المحيط القريب، بعض السكان في بلادنا العربية ليس لديهم أي إثبات لجنسياتهم وآلاف من الشباب تعج بهم الزنازين وآخرون مثلهم هاجروا من بلادهم هربا من الذل، إذا اقتربت أكثر ستجد أن حزب العدالة لا يفرق بين مواطنيه سواء كان متدينا أم لا من حزب قومي أو علماني، يرى الجميع أمام الدولة سواء يعطي الجميع حقوقه وفق القانون (طبعا ليس بنسبة 100%) ولكن على حدود تركيا تحكم الطائفية في كل شيء، ونظام المالكي ومن قبله نظام صدام مثال على ذلك. إذا نظرت إلى النظافة في البلد حضرتك مباشرة أزمة القمامة في بيروت المدينة التي ربما تساوي مساحة قرية كبيرة في تركيا.

أما بشار الأسد فهو ديكتاتور هذا العصر أفنى قسما كبيرا من شعبه وهجر قرابة نصف الشعب من أجل أن يحافظ على كرسيه، أمثلة كثيرة تعج بالظلم والتسلط والإفساد والعربدة وكلها أمام مرأى ومسمع العالم، كله ثم يأتي أحدهم ويقول إن استفتاء الناس بشكل شفاف وديمقراطي حول خيار ما هو ديكتاتورية.

انني استطيع أن أفهم أن بعض الناس ضد مسار خصمه ولا يريد خياراته لكن أن يحكم على الشعب بأنه جاهل عندما لا يختار ما يريد فلعمري هذه هي الديكتاتورية، أنسي عهود الانقلابات أم أن الذاكرة لا تسعفه لأنه منذ عام 2002 وهو يسير في أجواء  مفعمة بالديمقراطية وكم كبير من الحرية.

بدون أن أضرب أي أمثلة على تواضع المسؤولين وقربهم من الناس، وهذا هو الأصل، لا يعني ما ذكرت أن الأمور تسير بنسبة نجاح 99.999% مثل نسب الانتخابات السابقة في بلادنا، فكل بلد له نجاحات وإخفاقات، وعنده إيجابيات وسلبيات، ولكن الذي يغضب المرء أن بعض الناس يبصر القذى وينسى العور.

عن الكاتب

محمود الرنتيسي

باحث فلسطيني في مجال العلاقات الدولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس