جلال سلمي - خاص ترك برس

بعد استعانة نظام الأسد بروسيا، وقبول الأخيرة بدعمه بكافة السُبل، بذريعة "مُحاربة الإرهاب وخاصة داعش،" أصبحت المعارضة السورية المُعتدلة بكافة أطيافها عُرضة للقصف والاستهداف الجوي الروسي بشهادة وسائل الإعلام وجهات تراقب خط سير الحرب.

ومن أكثر المناطق التي ركزت روسيا على استهدافها بشكل أساسي؛ منطقة جبل التركمان أو ما يسمى بايربوجاق، وأصبح ذلك أمرًا ملحوظًا بشكل أكبر بعد استهداف تركيا للطائرة الروسية المُخترقة لأجواءها وإسقاطها، إذ بعد تلك الحادثة زادت روسيا وتيرة استهدافها لتلك المناطق على ما يبدو نكايةً بتركيا وردًا على إسقاطها للطائرة.

ـ أسباب الاستهداف:

يعزو الباحث السياسي أيتون أورهان، الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية "أورسام"، في دراسة أكاديمية بعنوان "أسباب اشتباكات بايربوجاق الحادة" نُشرت على الصفحة الرسمية للمركز، الاستهداف الخاص لهذه المنطقة إلى كونها منطقة عالية ذات بُعد عسكري استراتيجي.

ويؤكد أورهان بأن "انحياز التركمان منذ قيام الثورة السورية إلى صفوف الجيش الحر والقتال معه حولهم إلى عدو لدود للنظام وحزب الاتحاد الديمقراطي اللذان يسعيا للسيطرة على المناطق الاستراتيجية التي يتواجد بها عناصر المجموعات التركمانية المُقاتلة إلى جانب قوات الجيش السوري الحر".

ويضيف أورهان "لا يمكن إخفاء أهمية المناطق التركمانية لتركيا، إذ أن قسمًا كبيرًا منها يجاور تركيا، ويُسهل على الأخيرة الدخول إلى الأراضي السورية إن خططت لذلك، حيث أن القوات التركمانية ستكون مُرحبة ومستقبلة لتركيا بالورود، وهذا ما تخشاه روسيا وتحاول من أجل ذلك جاهدةً للسيطرة على تلك المناطق".

ونقل موقع خبر 7 التركي، عن رئيس المجلس التركماني عبدالرحمن مصطفى، قوله إن "هناك عدة أسباب تجعل روسيا والنظام يركزان استهدافهما لجبل التركمان، أهم هذه الأسباب هي: وعي النظام لخطورة المرحلة التي وصلت إليها سورية، حيث أصبح من المستحيل إتمام سيطرته بشكل كامل على سوريا ككل، لذا فإنه يرى أن من الأفضل تخصيص منطقة معينة خاصة به يسيطر عليها بشكل كامل وقوي، تلك المنطقة تكون ذات كثافة سكانية وأهمية استراتيجية ومخرج بحري، ولتأسيس تلك المنطقة لا بُد من دحر التركمان من مناطق تواجدهم، خاصة في جبال اللاذقية وبايربوجاق وبعض مناطق حلب مثل اعزاز وعفرين وجرابلس وغيرهما، النظام يسعى لإقامة دولة خاص به تضم دمشق واللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، واليوم أكبر عائق أمام النظام لإتمام السيطرة الكاملة على اللاذقية وحمايتها بشكل حازم هي جبال بايربوجاق".

وتُشير جريدة صباح التركية، في تقريرها "مالذي يحدث في بايربوجاق؟"، إلى أن "روسيا والنظام يعلمان جيدًا أن منطقة بايربوجاق مهمة جدًا لتركيا، لأن المنطقة قبل كل شيء تقع على الحدود التركية بشكل مباشر، إذ تُمثل إحدى حلقات الوصل الرئيسية لإيصال الدعم الإنساني والمادي التركي وغير التركي لقوات المعارضة السورية، لذا فإن استمرار القوات التركمانية في السيطرة عليها أمر مهم".

ويرى الكاتب السياسي حسين فودانلي، في مقال لموقع قناة "أو" التركية، أن "نقطة التماس الرئيسية بين تركيا والمعارضة هي جبل التركمان، لذا تُعتبر ذات أهمية استراتيجية عالية بالنسبة لتركيا، أيضًا من صالح تركيا إبقاء النظام بعيدًا عن الاتصال المباشر معها حدوديًا، لضمان حفاظها على أمنها واستقرارها، وروسيا تُدرك هذه النقطة جيدا ً، لهذا السبب تحاول تقويض الخطط التركية وإتمام السيطرة على المنطقة لإضعاف التحرك التركي في سوريا".

ويردف فودانلي قائلًا: "روسيا تعلم حساسية تركيا حول هذه المنطقة بشكل جيد جدًا، لذا تركز على استهدافها، وعمليات اختراق الحدود المتكررة التي كان آخرها في تاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حين تم إسقاط أحد هذه الطائرات المُخترقة للحدود، هي محاولة جس نبض واضحة من روسيا لتركيا، لترى روسيا ماهي طبيعة رد تركيا حيال تقدمها في المنطقة وبالتحديد باتجاه حدودها، وعندما تلقت روسيا صفعة مؤلمة من تركيا، أدركت بأنها لن تتوانى عن الاستمرار في دعم قوات المعارضة وإن كلفها الأمر الدخول في مواجهة ساخنة في بعض المناطق، استلام روسيا لهذه الرسالة من تركيا دفعها إلى زيادة وتيرة ضربها لجبل التركمان وقوافل المساعدات الإنسانية التي تُقدمها تركيا لسكان المنطقة، لتظهر لتركيا مدى قوتها وقدراتها وتحديها لأي تحرك تركي مُقبل".

وفي تقرير متصل بعنوان "لماذا تُهاجم روسيا جبل التركمان بالتحديد؟" تكشف جريدة ستار التركية أن "منطقة جبل التركمان أو منطقة بايربوجاق تُعد المنطقة الوحيدة الواقعة في أيدي المُعارضة السورية، وتخشي روسيا من توسع رقعة القوات المُعارضة البحرية وبالتالي سهولة وصول الدعم لهم، لذا تسعى لطردهم من تلك المنطقة وإخضاعها لسيطرتها أو سيطرة النظام السوري".

وتُظهر ستار أنه "على الرغم من الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، إلا أن النظام لم يستطع السيطرة عليها منذ إنطلاق الثورة وحتى الأن، وذلك لكونها منطقة جبلية ولكون المدافعين عنها سكان محليين يعلمون بالمنطقة وظروفها أكثر من قوات جيش النظام، وكما أن إعلان تركيا قواعد "الرد بالمثل" وقواعد "الاشتباك المُعتمدة" عقب إسقاط طائرتها عام 2012، حد من إمكانية تحليق الطيران الحربي السوري فوق أجواء المنطقة، إلا أنه بعد التدخل الروسي عادت توازنات اللعبة من جديد لصالح قوات النظام، إذ بعد التدخل الروسي العسكري الذي يتمتع بقوة عسكرية رادعة وإمكانيات تكنولوجية متطورة تمكنه من التحليق فوق المنطقة المعنية، عادت الاشتباكات من جديد إلى ما كانت عليه قبل أربعة أعوام".

ـ النتائج المُتوقعة لاستهداف جبل التركمان:

ألمحت جريدة ملييت بأنه "منذ بدأ التدخل الروسي وإلى الآن سيطر النظام السوري المدعوم من الغطاء الجوي الروسي والدعم البري من حزب الله وغيره على مايقارب الثمانين بالمائة من جبل تركمان" ونقلت الجريدة، عن الخبير الاستراتيجي علي أوزجان، قوله: "سيطر النظام على مساحات واسعة من جبل التركمان، ولكن إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا وتمادي الأخيرة في تهديداتها بإسقاط أي طائرة حربية تخترق أجوائها غير قواعد اللعبة رأس على عقب، لأنه بعد هذه الحادثة ستحد الطائرات الروسية من تقدمها فوق المنطقة تجنبًا للاستهداف التركي، بعد توضيح قيادته بأنها لن تتسامح مع أي عملية اختراق".

وفي سياق متصل أوضحت جريدة حرييت، في تقريرها "تركيا طعنت روسيا"، أن "إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا لعب دورًا كبيرًا في تغيير قواعد اللعبة ورفع معنويات المقاتلين في الميدان، ولكن يجب عدم إغفال كون روسيا "دولة عظمى" لا تقبل بردع أي طرف آخر، لذا ستزيد من حجم ضرباتها للمنطقة، إن لم يكن جوًا فبرًا وبحرًا".

وبينت حرييت أيضًا أن "زيادة روسيا لهجماتها ستزيد من تدفق اللاجئين وستزيد العبء الإنساني على تركيا، التي يبدو أن عليها الاستمرار مضطرةً في دعم القوات المُدافعة عن جبل التركمان بصور أكبر وأوسع".

وعلى صعيد متصل؛ يذكر الكاتب السياسي عبدالرحمن أرضروم، في مقال سياسي بعنوان "الهدف التالي بعد جبل التركمان تركيا" نُشر على الصحفة الرسمية لموقع أجانس خبر التركي، أنه "في حال سقوط جبل التركمان ستكون هناك العديد من العواقب السلبية على تركيا، مثل: محاذة قوات النظام لها وبالتالي عدم استقرار الحدود، كما سيستطيع النظام الانقضاض على إدلب وبالتالي السيطرة عليها وطرد القوات المعارضة من المدينة الوحيدة التي استطاعت السيطرة عليها بشكل كامل، هذه النتيجة ستؤثر بشكل أو بآخر على تركيا وخططها الاستراتيجية  في المنطقة".

ويضيف أرضروم "في الحالة أيضا ً سيزداد التمدد الكردي تجاه مناطق جرابلس وعزاز المتاخمة لتركيا وهذا سيسبب العديد من المخاوف الأمنية والاستراتيجية لتركيا، لأن التمدد الكردي يسير تحت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي وبدعم من حزب العمال الكردستاني، هذا التمدد سيشجع حزب العمال الكردستاني على القيام بعمليات الإرهابية أوسع داخل  تركيا، لكي يتمكن من الحصول على محصل عليه حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!