جلال سلمي - خاص ترك برس

العلاقات التركية السعودية في العصر الحديث:

بدأت العلاقات الحديثة بين الجمهورية التركية والمملكة العربية السعودية بتاريخ 3 آب/ أغسطس 1929، إذ اعترفت تركيا  بمملكة أل سعود على نجد والحجاز، وبنفس التاريخ تم توقيع اتفاقية سلام وصداقة مشتركة بين الطرفين، ولكن على الرغم من هذه الاتفاقية المُشتركة وعلى الرغم من انضمامهم المشترك للقطب الغربي، إبان الحرب العالمية الأولى، إلا أن العلاقات المتبادلة بينهم، منذ تأسيسها عام 1929 وحتى ثمانينات القرن العشرين، اتسمت بالبرودة والتباعد[1].

استمرت هذه البرودة إلى الثمانينات، حيث كان هناك حرب بين العراق وإيران، وواجهت الدول المُصدرة والمستوردة للنفط مشاكل عديدة في قضية تمديد أنانبيب توصيل نفط جديدة كبديلة لتلك الأنانبيب الممتدة من العراق، ولأن المملكة العربية السعودية، أكبر الدول المُصدرة للنفط، والجمهورية التركية، الدولة المستوردة للنفط من السعودية عبر العراق، كانتا أكثر الدول المتضررة من تلك الأزمة، فاضطرتا إلى الالتقاء المباشر على مستوى رفيع.[2]

وعلى إثر الحاجة المتبادلة للطرفين زار الرئيس التركي آنذاك "كنعان إيفرين" المملكة العربية السعودية عام 1984، في زيارة رسمية رفيعة المستوى هي الأولى من نوعها منذ عام 1929، وأعقب زيارة إيفرين زيارة رئيس الوزراء التركي "تورغوت أوزال" أيضًا في نفس العام، وكان الهدف من هذه الزيارات إيجاد طرق جديدة لتمديدات النفط المُصدر وإرساء علاقات متبادلة مشتركة ونشطة بين الطرفين بشكل حيوي واستراتيجي.[3]

انتعشت العلاقات السعودية التركية بعد هذه الزيارات التي تخللها إبرام اتفاقيات تعاون سياسي واقتصادي وثقافي، بعد هذه الاتفاقيات انتقلت الكثير من شركات البناء التركية إلى السوق السعودية، الأمر الذي عاد بالعملة الصعبة الوفيرة على تركيا ومواطنيه وبدأت حالة ازدهار اقتصادي ملحوظة، في تركيا، على الصعيدين الحكومي والفردي، وكما تم افتتاح الكثير من مراكز الأبحاث التاريخية والثقافية والسياسية المشتركة بين الطرفين.[4]

وبعد احتلال العراق للكويت في بداية التسعينات من القرن الماضي، نشطت العلاقات المشتركة بين الطرفين بشكل أكبر وأوسع إذ دعم الرئيس التركي، في تلك الفترة، "تورجوت أوزال" الموقف السعودي المعارض لهذا الاحتلال وعرض أوزال الدعم المادي العسكري واللوجستي على التحالفين العربي والدولي اللذاين تم تأسيسهما بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية للقضاء على الاحتلال العراقي للكويت ورأب صدع التقدم العراقي في المنطقة.[5]

موقف أوزال المُساند للملكة العربية السعودية والمُعارض للاحتلال العراقي أوصل العلاقات السعودية التركي إلى أعلى مستوى وأضاف لها المزيد من الحيوية والفعالية، وكما أن دعم تركيا للحصار الدولي المفروض على العراق كان له رصيد في رفع مستوى هذه العلاقات إلى مستوى قياسي منذ تأسيسها عام 1929.[6]

وقامت المملكة العربية السعودية بإرسال أكثر من بريق شكر إلى الجمهورية التركية ورئيسها، وكما قدمت المملكة هبة نفطية بمقدار 1,2 مليار لتركيا بدون أي مقابل، للتأكيد على امتنناها للدور التركي الداعم لها خلال أزمة حرب الخليج الأولى، ولم تكتفي السعودية بتقديم الشكر لتركيا بهذا الشكل بل قامت بتقديم مليار دولار لصالح الخزينة المالية للجيش التركي.[7]

حسب نظريات علم السلوكيات السياسي، يلعب الشخص السياسي المسؤول دورًا مهمًا في رسم السياسة العامة للدولة وتؤثر رؤيته ونظرته السياسية على الصورة العامة للسياسة الداخلية والخارجية، وتنطبق هذه النظرية على العلاقات التركية السعودية بعد وفاة "تورجوت أوزال" عام 1993، إذ بعد وفاته، عاد عنصر الجمود العنصر المُهيمن على الإطار العام للعلاقات المتبادلة بين الطرفين.

التغير المستمر للحكومات التركية وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي جعلا السياسة التركية غامضة وغير قادرة على الاستمرار، بشكل مستقر، ليس مع المملكة العربية السعودية بل مع جميع الدول حول العالم، واستمرت حالة الجمود إلى عام 2003، إذ بعد هذا العام احتلت الولايات المُتحدة الأمريكية العراق وبدأت بعض التغيرات السياسية والجيوسياسية الجذرية تتطرأ على السطح العام لمنطقة الشرق الأوسط.

احتلال العراق وماخلفه من تغيرات دفعا المملكة العربية السعودية تبادر بإعاد قطار العلاقات السعودية التركية إلى طريقه الصحيح والفعال من جديد، وتُرجمت رغبة المملكة العربية السعودية في إعادة النشاط والحيوية للعلاقات المشتركة بينها وبين الجمهورية التركية من خلال الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" بتاريخ 8 ـ 10 آب/ أغسطس 2006 و 9 ـ 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، وعقب هاتين الزيارتين الرسميتين عددا ً من الزيارات التركية المتكررة على مستوى رفيع للسعودية.[8]

المصادر:

1ـ أيهان فيصل، العلاقات التركية السعودية من الماضي إلى المستقبل، الصفحة الرسمية لموقع مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 10 نوفمبر 2015، تاريخ الوصول 15 نوفمبر 2015.

2 ـ العلاقات السعودية التركية، وزارة الخارجية التركية، تاريخ الوصول 15 نوفمبر 2015.

3 ـ العلاقات السعودية التركية، صحيفة صباح التركية، تاريخ الوصول 15 نوفمبر 2015.

4 ـ العلاقات السعودية التركية.. بدأت قبل 78 عاما ً والملك فيصل سجل أول زيارة، موقع المواطن الإخباري، تاريخ النشر 12 نوفمبر 2015، تاريخ الوصول 15 نوفمبر 2015.

5 ـ المصدر نفسه.

6 ـ دبلومات أطلس، العلاقات التركية السعودية، تاريخ الوصول 24 نوفمبر 2015.

7 ـ أيهان فيصل، المصدر نفسه.

 8 ـ أحمد حلبي، العلاقات السعودية التركية ـ مابين الماضي والحاضر، خلق للدراسات، تاريخ الوصول 24 نوفمبر 2015.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس