ترك برس

حسب التقويم الميلادي أصبح العالم على وشك الانتهاء من عام 2015 والدخول في عام 2016، وكما أنه على  صعيد فردي يقوم البعض بتقييم إنجازته وإخفاقاته التي مر بها خلال العام المنصرم، تقوم الدول أيضًا بمراجعة إنجازتها وإخفاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها خلال ذلك العام.

وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية، فإن عام 2015 مر عليها وهي بحال لا تُحسد عليه، إذ أضيفت خلال هذا العام إلى الأزمات والتحديات الخارجية التي تعاني منها تركيا المزيد من الأزمات والتحديات. تقيم الخطط العامة للسياسة الخارجية التركية على أنها خطط ثابتة وقليلة الانسيابية، بمعنى أنها خطط استراتيجية مُتبعة بعدد من التكتيكات القليلة والصلبة في التغيير.

ووفقًا لتقييم الباحث التركي "سامي كوهين" للسياسة الخارجية التركية خلال عام 2015، فإن هناك الكثير من العوامل الواقعة خارج سيطرة التوقعات جعلت من تركيا تواجه المزيد من العراقيل والأزمات خلال عام 2015، ولكن على صعيد آخر، يرى كوهين أن كوادر وزارة الخارجية التركية والقيادة التركية أيضًا يتحملون نصيبهم من الإخفاق في تخمين التغيرات المستقبلية بشكل دقيق.

ويرى كوهين، في مقاله "سنة سيئة للخارجية التركية"، الذي نشر في صحيفة "ميلييت" 30 كانون الأول/ ديسمبر 2015، أن "السياسة الخارجية التركية لعام 2015 لم تتمكن من تحقيق ما كان يأمل به الساسة الأتراك، إذ كانوا يأملون بأن يتمكنوا من إقامة المنطقة الأمنية العازلة في سوريا بعد الدخول إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المُتحدة الأمريكية، وكما كانوا على أمل الدخول إلى الموصل وتحريرها من "داعش" ولكن لم يتمكنوا من ذلك أيضًا، ولا ننسى رغبة القيادة التركية في زيادة التعاون الاقتصادي "الاستراتيجي" مع روسيا، لاستيعاب الأخيرة والتوصل معها إلى حل مشترك فيما يخص القضايا العالقة في المنطقة".

ويوضح كوهين أن "القيادة التركية أبدت كل ما بوسعها من أجل ذلك، ولا أحد ينكر ذلك، ولكن تبقى المبادئ الخاصة بالسياسة الخارجية مثل "تصفير المشاكل" و"التفكير الاستراتيجي واتباع مناهج لينة" و"الدبلوماسية الاستباقية" و"تنويع العلاقات" وغيرها من المبادئ، تحتاج إلى تغيير فمبدأ "تصفير المشاكل" أصبح لا يمكن التحدث عنه في ظل وجود العديد من المشاكل والتحديات الإقليمية والدولية التي تُحيط بتركيا من جميع الجهات، وكذلك المبادئ الأخرى بحاجة إلى إعادة تقييم وتغيير جذري".

هذا ويمكن رصد التغيرات الأساسية التي حدثت خلال عام 2015 وستغير مسار السياسة الخارجية التركية بشكل جذري خلال عام 2016، على النحو الآتي:

ـ دخول الجيش التركي إلى سوريا والعراق: دخل الجيش التركي بتاريخ 22 شباط/ فبراير 2015 إلى سوريا وقام بنقل مقتنيات الشاه "سليمان" جد "عثمان غازي" مؤسس الدولة العثمانية" من القرب من قلعة "جعبر" إلى قرية آشمة في سوريا، والتدخل الثاني كان إلى العراق، حيث وحسب تصريحات رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو"، فقد جاء دخول الجيش التركي إلى بعشيقة القريبة من الموصل بناءًعلى طلب القيادة العراقية العام الماضي، ولكن اضطرت تركيا إلى الانسحاب بشكل جزئي من بعشيقة إلى دهوك  عقب الضغط الدولي الذي تعرضت له.

يأتي التدخل التركي بهذا الشكل، وخاصة في شمال العراق، ليؤكد على استعداد تركيا التام للتدخل العسكري "البري" للقضاء على البؤر الإرهابية الخاصة بتنظيم داعش، ولكن لم تواجه إرادة تركيا في ذلك بجدية من قبل الولايات المُتحدة الأمريكية، لذا لم توفق في إحقاق تغيير جذري في المنطقة، كما كانت تأمل قيادتها، خلال عام 2015، ولكن هذا التدخل يوحي باستعدادها للانضمام في التحالفات الجدية التي يمكن أن تنشأ لصد داعش بشكل جدي خلال عام 2016.

ـ نشوب الأزمة التركية الروسية: أزمة لم تكن تتوقعها القيادة التركية، وكما لم تكن تتوقع نتائجها التي طالت العلاقات الاقتصادية بينها وبين روسيا والتي كانت تأمل من خلالها تحقيق شراكة سياسية استراتيجية معها، وكما أن تحرك حزب الاتحاد الديمقراطي نحو تحقيق أهدافه بشكل حر كان أحد العواقب الوخيمة التي تكبدتها تركيا عقب نشوب الأزمة مع روسيا، ونتيجة لهذه الأزمة ازداد التوتر بين تركيا وإيران، وازدادت عُزلت تركيا الدولية وأصبحت أمام تحدي روسي واضح في المنطقة ككل وليس فقط في سوريا. هذه الأزمة ستدفع تركيا إلى تنويع حلفائها السياسيين والاقتصاديين بشكل متنوع ومكثف، حتى تقي نفسها من عواقب هذه الأزمة.

في حين كانت تسعى تركيا لإنذار روسيا بعزمها الوقوف إلى جانب قوات المعارضة السورية "المعتدلة" وقوتها التي لا تٌستهان في المنطقة وبالتالي اضطرار روسيا للتقليل من وتيرة استهدافها للمعارضة المعتدلة، نجمت عن الأزمة عواقب جسيمة لم تكن تتوقع تركيا حدوثها، حسب ما يورد موقع "أجانس خبر" التركي.

ـ العودة إلى القطب الغربي: في ظل تفاقم أزمات منطقة الشرق الأوسط وتفاقم أزمة اللاجئين، اضطر الطرفان التركي والأوروبي للعودة إلى طاولة الحوار، من أجل مناقشة أزمة اللاجئين والتوصل إلى حل مُجدٍ لتلافي عواقبها على الطرفين.

حاجة تركيا للاتحاد الأوروبي تجلت في انخفاض صادرتها الخارجية بنسبة 40% بعد نشوب الأزمات المتعاقبة في منطقة الشرق الأوسط، وبعد تفاقم تكاليف أزمة اللاجئين على ميزانيتها العامة، هذه الحاجة جعلتها تعود إلى أحضان القطب الغربي، وسيكون هناك تقارب تركي أكبر للاتحاد الأوروبي خلال عام 2016.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!