إردال تاناس كاراغول – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

أزمة اللاجئين السوريين التي بدأت مع وصول أول لاجئ سوري إلى الأراضي التركية عام 2011م خرجت عن كونها قضية إنسانية تخص تركيا والمنطقة فحسب لتصبح أزمة انسانية تشغل قلوب العالم أجمع.

فحسب تقرير اللجنة العليا للامم المتحدة الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 2015م فإن عدد اللاجئين السوريين في تركيا قد وصل إلى 2.287.360 مع الإشارة إلى أن هذه الأعداد تشمل فقط اللاجئين المسجلين لدى وكالات الغوث. موجة النزوح الأخيرة تظهر أن العدد قابل للصعود ليصل  ثلاث مليون ونصف لاجىء.

إذا ما قارنا الوضع في تركيا مع غيرها من دور الجوار سيبدو واضحا القدر الكبير من المسؤولية الذي تتحمله تركيا سواء على الجانب المادي أو المعنوي، فمن حوالي 4 ملايين سوري تركوا ديارهم تستضيف تركيا ما يزيد عن النصف. فتركيا التي تقدم العون للمحتاج دون سؤاله عن دينه دولته ملته أو عرقه قد فتحت أبوابها للاجئين السوريين دون قيد أو شرط مسبق لتوفر لهم المأوى والغذاء بجانب الخدمات التعليمية والصحية  والبنية التحتية اللازمة لحياة كريمة في المخيمات.

مثال عالمي على التكافل الاجتماعي

في ظل الصمت الذي مارسته وكالات مساعدة اللاجئين ووكالات الغوث تجاه اللاجئين السوريين انبرت تركيا لتكون مثالا يحتذى "لسياسة التكافل الاجتماعي العالمي". فنحن نعيش زمن الانتقال من مرحلة الدولة المدينة العاجزة عن تسديد قروضها أو على الأقل تسديد الفوائد المستحقة على هذه الديون من مرحلة الدولة  المتلقية للمساعدات إلى مرحلة الدولة التي تزاحم الدول الكبرى وتلقنها الدروس في سياسة التكافل الاجتماعي الدولي.

فمن ما يقارب ثمانية مليارات دولار صرفتها تركيا خلال أربعة أعوام لتأمين الاحتياجات الأساسية لللاجئين بما فيها من مأوى وتعليم وصحة وغذاء كان مقدار المشاركة الدولية لا يزيد عن 455 مليون دولار. عدم تأثير هذه الأموال الطائلة المصروفة في تدبير شؤون اللاجئين على خزينة الدولة وعدم خدشها لمقومات الاقتصاد التركي ينبع من المقاومة والصلابة التي يتحلى بها الاقتصاد التركي ومن قدرته على الوقوف بوجه أي أزمة قد تؤثر على البلاد.

بكلمات أخرى، تركيا لم تكتفي بترك "الأبواب مفتوحة" أمام المواطنيين السوريين الهاربين بحثا عن مأوى لهم وإنما تعمل اليوم على خلق مستوى معيشي مُرضٍ لهؤلاء الناس.

ولا ننسى أننا نتحدث عن موجات هجرة من العراق وسوريا والتي تؤثر بشكل أو بآخر على الاستقرار السياسي والأمن الداخلي لتركيا من خلال المخاطر الجيوسياسية التي تنطوي عليها.

الاتحاد الأوروبي وفي أثناء ممارسته للعبة القرود الثلاث ليس مؤهلا لتقديم التوصيات

فخلال خمس سنوات مضت على الحرب الداخلية السورية كانت الدول الأوروبية تمارس لعبة القرود الثلاث (الأخرس والأطرش والاعمى) تجاه اللاجئين السوريين والأزمة السورية، وما الحساسية المبالغ فيها تجاه رغبة السوريين في الهجرة إلى أوروبا إلا تأكيد على التفرقة والعنصرية على أُسس أقتصادية وسياسية التي تمارسها القوى الكبرى في العالم.

رغبة المواطنيين السوريين ركوب بحر إيجة مرورا باليونان ثم إلى دول أوروبا المختلفة كانت سببا كافٍ لإيقاظ الدول الأوروبية من غفوتها ليفتحوا عيونهم على الإجرام والوحشية الممارسة في دمشق.

الغريب في الأمر أن الدول الأوروبية التي التزمت الصمت حيال الأزمة السورية مُسبقا، ورغم حاجتهم إلى تركيا لوقف تدفق اللاجئين إليها ما زالت تتعامل مع تركيا بعجف وكبر ولا تتوقف عن أسداء النصح والإرشاد لها ولا تكف عن الإشارة إلى الثلاث مليارات يورو الميزانية المخصصة لللاجئين السوريين والمنوي تقديمها لتركيا لتصرفها لهم.

تركيا ليست بحاجة هذه المليارات الثلاث ولا إلى دموع التماسيح المتساقطة من عيون قرود أوروبا الثلاث، لكن الاتحاد الأوروبي وفي سبيل توقف عبور اللاجئين من تركيا إلى اليونان الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي تعاني من أزمة اقتصادية هائلة هو الذي بحاجة إلى مساعدة تركيا ومؤازرتها.

يجب على الدول الأوروبية التي لم تتخلص من عقدة "تركيا الدولة المدينة" أن تفهم أن المليارات الثلاث المقدمة إلى اللاجئين ليست إحسانًا ولطفًا مقدمًا إلى تركيا وإنما هو إحسان هذه الدول إلى ذاتها وإحسان إلى أوروبا بأسرها، فبقاء قضية اللاجئين دون حل يعني تفشي هذه الأزمة وانتشارها لتصل إلى إوروبا كلها.

أما قدرة الدول الأوروبية التعامل مع هذه الأزمة بنجاح كالذي حققته تركيا فهو في علم الغيب!

عن الكاتب

إردال تاناس كاراغول

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس