جلال سلمي - خاص ترك برس

اندلعت ثورات الربيع العربي في بدايات عام 2011، وتمكنت من إسقاط عدد من الزعماء الذين كان إسقاطهم مجرد أضغاث أحلام، واستمرت ثورات الربيع العربي بالسير على وتيرة النجاح وتحقيق ما ترنو إليه، إلى أن ظهرت للسطح الثورات المضادة التي أثبتت وجودها في مصر وليبيا وغيرهما، والتي قلبت مسيرة ثورات الربيع العربي رأسًا على عقب.

ساهمت الثورات المضادة في تقويض الثورات المطالبة بالحرية والعدالة، ولعبت دورًا كبيرًا في تنفيذ خطط الجهات الأجنبية التي خططت هي أيضًا لتلك الثورات المضادة، لجلب من يخدم مصالحها في المنطقة، ونتج عن هذه الثورات حالة من الفوضى العارمة تسببت في إحداث شرخ اجتماعي وسياسي واضح في بعض البلدان.

وأشار الخبير في شؤون الشرق الأوسط "محيي الدين أتامان" إلا أنه إلى جانب الثورات المضادة، فإن تقاعس بعض الدول المدروس في دعم ثورة سورية أحدث أيضًا حالة من الفوضى العارمة التي لم تنتبه الدول المتقاعسة لمدى خطورتها إلا بعد فوات الأوان، لافتًا إلى أن المملكة العربية السعودية وتركيا اليوم يدفعون ثمنًا باهظًا نتيجة تقاعسهم الكبير تجاه الثورة السورية،. كان من الممكن جدًا أن تكون سورية دولة ديمقراطية مستقلة، لو توافقت تركيا والسعودية والدول الإقليمية الأخرى على دعمها منذ البداية، ولكن تراخت هذه الدول كثيرًا والنتيجة كانت عكسية وضارة بهم كثيرًا.

وأوضح أتامان، في مقاله "هل كان يمكن أن تظهر صورة بديلة لمنطقة الشرق الأوسط"، المنشور على موقع "الجزيرة ترك" الإخباري، بتاريخ 17 شباط/ فبراير 2016، أن الملك السعودي عبد الله اتبع سياسة غير موفقة أبدًا، إذ أن هذه السياسة ساهمت في هدم الديمقراطية في اليمن ومصر، وكلفت المملكة العربية السعودية تكاليف استراتيجية باهظة، إذ تتمنى المملكة اليوم لو أنها لم تُقبل على دعم صالح، ويبدو أن صدمة المملكة العربية السعودية بعد رفض نظام الانقلاب الذي جلبته، كانت صاعقة جدًا للإدارة السعودية التي ظنت أن مصر أصبحت في جيبها بعد مدها بالدعم الفائض.

الصورة البديلة لليمن ومصر كان يمكن لها أن تكون جميلة جدًا لولا إقبال السعودية على قلب الأنظمة الديمقراطية بها، ولكن المملكة العربية والسعودية وتركيا اليوم في حالة ماسة لدعم دول الإقليم، ولو دعمت السعودية حكم مرسي الديمقراطي، لأصبح لديهم حليف قوي على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية، وكان دورهم في التحرك العسكري تجاه سورية ذات موقف أقوى.

وصول دول الشرق الأوسط إلى مرحلة من التقدم والتطور كان قاب قوسين أو أدنى، ولكن رفض الأنظمة "التقليدية" نجاح هذه الثورات حال دون وصول الشرق الأوسط إلى هذه المرحلة. لصورة البديلة الممكنة لمنطقة الشرق الأوسط كانت زهية، ولكن لم يُكتب لها ذلك في ظل تكالب الثورات المضادة والمؤامرات الأجنبية عليها.

دول الخليج ساهمت بشكل كبير في تعطيل خط سير ثورات الربيع العربي، خوفًا على انتقال لهيبه إلى داخل الخليج، ولكن بخططهم هذه فتحوا المجال إلى العديد من الجهات الأجنبية التي كانت تنتظر على أحر من الجمر لشروع أحد الأطراف العربية في إخماد هذا الاستيقاظ العربي، لتدعمه كبديل وتؤكد على أن الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط، هو البديل الأفضل للثورات التي ينتج عنها عدم استقرار وفوضى.

هذه الفوضى هي فوضى "خلاقة" نتجت عن مؤامرات الجهات الأجنبية، وليس فوضى داخلية بامتياز ناتجة عن نزاع الفرقاء الثوريين كما تصورها هذه الجهات التي أبت أن يكلل الربيع العربي بالنجاح، ويمكن للشرق الأوسط أن يحظى بصورة زاهرة مستمرة من خلال تضافر جهود الدول الداعمة للثورات واستمرار الشعوب في مثابرتهم وجدهم للوصول إلى الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي التام.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس