محمود القاعود - خاص ترك برس

في الثاني والعشرين من آذار/ مارس 2016م ، وقعت هجمات دموية في مطار العاصمة البلجيكية بروكسل، بالتزامن مع هجوم آخر في المترو تبنته داعش، ونتج عن هذه التفجيرات ما يربو علي الثلاثين قتيلا، وبالقطع ندين هذا التفجير وندين ترويع الناس وسفك الدماء؛ لكن ثمة أمور تثير الدهشة والاستغراب إزاء الازدواجية في التعامل مع هذه التفجيرات العمياء.

فقد شهدت تركيا خلال شهري فبراير/ شباط ومارس 2016م هجمات إرهابية مروّعة استهدفت الحدائق العامة والتجمعات السكانية بطول البلاد وعرضها، ليضرب الإرهاب الطائش كل الفئات وكل الأعمار، لم يتحدث وقتها الغرب عن ضرورة البحث في جذور من نفذوا تلك العمليات الإرهابية، ولم ينعقد الاتحاد الأوروبي لمساعدة تركيا، بل لم تهتم وسائل الإعلام العالمية بما حدث وأوردته كخبر معتاد!

حذرت تركيا مرارا وتكرارا من خطورة الإرهاب، ودعت أوروبا للتكاتف معها لمواجهة هذا الخطر، إلا أن الفاشية الصليبية، تتوجس من الإسلام، ولا ترتضي أهله شركاء في أي عملية سياسية أو دنيوية، وتركوا تركيا تواجه وحدها، وتتحمل لهيب النيران المشتعلة في سوريا منذ سنوات.

كان قدر تركيا المسلمة في هذه السنوات العصيبة أن تتحمل مسؤوليتها تجاه شعبها وتجاه الأمة الإسلامية بأسرها، فاستقبلت ملايين اللاجئين السوريين، وأحسنت ضيافتهم، وسعت في كل المحافل لدعم الثورة السورية وإسقاط الطاغوت الأكبر بشار الأسد. لم تنتظر تركيا جزاءا ولا شكورا، إنما كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث النعمان بن بشير: " مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى" (البخاري ومسلم).

سهرت تركيا من أجل سوريا... فكان القرار الأمريكي المدعوم من الفاشية الصليبية العالمية بدفع تركيا للمحرقة! تتالت العمليات الإرهابية، بهدف استنزاف تركيا، وضربت اسطنبول العاصمة السياحية، للقضاء علي واحد من أهم موارد الدخل القومي التركي ، وسمحت للعصابات الكردية المسلحة بإعلان ما تسمى "الدولة الكردية" لمناكفة تركيا وتركيعها بالإرهاب الأسود.

إن الفاشية الصليبية تتعامي عن الإرهاب الذي يضرب تركيا، في حين تقيم الدنيا من أجل عملية واحدة ببلجيكا، وهو ما يؤكد أن المشروع الصليبي الراديكالي يفتقد لأدني مقومات الإنسانية ويمارس الازدواجية في أبشع صورها، وكأني بهم وقد طالبونا بقول الشاعر المؤمل بن أميل المحاربي:
إذا مرضنـا أتيناكـم نعـودكـم *** وتذنبـون فنأتيـكـم ونعـتـذرُ
علي أوروبا أن تعتذر عن ازدواجيتها، وتكف عن سياسة الكيل بمكيالين، فالدماء المسلمة ليست ماءً، والإرهاب في بروكسل هو نفسه وأكثر منه في أنقرة.

عن الكاتب

محمود القاعود

صحفي وروائي مصري وعضو اتحاد الصحفيين العرب


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس