ولاء خضير - خاص ترك برس

زعيم، سلطان، رئيس، تختلف المسميات السياسية، لكن مما لا جدل فيه، إن إنفراد السلطان في دولة يقودها دستور وشعب قوي مخلص، كانت السبب في إزدهار الدولة التركية عبر تاريخها الطويل، إلا أن جاء مصطفى كمال اتاتورك، وأعلن عن دستور عسكري جديد لجمهورية تركيا الحديثة، وألغى الخلافة العثمانية، منهيا بذلك أخر حقبة إسلامية، قادت العالم بسلاطينها.

لذلك يمكن القول إن النظام البرلماني الحالي المعمول به في تركيا، وهو تقسيم السلطات في الجمهورية التركية، ما بين رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، والبرلمان، والمحكمة العليا، وقيادة الجيش، خلق ثغرة كبيرة، وعجز عن إنتاج زعيم يقود تركيا إلى مرحلة التقدم والازدهار، بسبب تصادم الصلاحيات، وغياب القائد الواحد.

إن تسارع وتيرة الأحداث الأخيرة في تركيا جعلها محط أنظار العالم، وأثارت جدلا واسعا و"مريباً" كما يصفه البعض، فخلال أقل من 40 ساعة، عقد حزب العدالة والتنمية الحاكم مؤتمرا استثنائيا، انتخب به حزب العدالة والتنمية بن علي يلديريم رئيسا له، ومن ثم قدم احمد داود أوغلو استقالته من رئاسة الحكومة، بعد تنحيته عن رئاسة الحزب، وبعد ساعات قليلة استدعى رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، يلدرم إلى القصر مساءا ليكلفه بتشكيل الحكومة.

تنحي داود أوغلو مثّل حدثا مفصليا في السياسة الداخلية التركية، إذ إنه ينهي حقبة انتقالية في غاية الأهمية، تمثّلت بوجود رئيس وزراء قوي جنبا إلى جنب مع رئيس جمهورية قوي، تمهيدا لتحول فعلي إلى النظام الرئاسي، ينهي نحو مائة عام من تاريخ النظام البرلماني للجمهورية التركية.

رئيس الوزراء التركي الجديد بن علي يلدريم، قال في أول تصرحات له عقب تسلمه رئاسة الحزب "إن التحول إلى النظام الرئاسي في تركيا من أولويات حكومة حزب "العدالة والتنمية" الان، ومشيرا أن ذلك ليست قضية رئيس الجمهورية فحسب، بل تتعلق بمستقبل البلاد، حيث قال يلدرم: "إن رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، انتخب من قبل ملايين المواطنين، لأول مرة في تاريخ تركيا، والعالم كله شهد ذلك".

كل تلك الأحداث أدَّت إلى تجدد النقاش حول ضرورة الإنتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في تركيا، وأعاد الموضوع مرة أخرى إلى رأس قائمة الأخبار والتحليلات.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لم يكن أول من طرح قضية الإنتقال من النظام البرلماني إلى الرئاسي في تركيا، فقد سبقه إلى ذلك كل من الرئيسين تورغوت أوزال وسليمان ديميريل، لكن يمكن القول إن أردوغان هو الوحيد الذي بذل خطوات فعلية في هذا المجال، عندما أمر قبل سنتين بتشكيل لجنة برلمانية مهمتها إعداد دستور جديد، يحفظ الإنتقال إلى النظام الرئاسي.

وبشكل موجز النظام البرلماني يُعرف بأنه ذلك النظام الذي يتضح فيه التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية، بذلك فإن النظام البرلماني، يمكن أن يتلاءم مع الأنظمة السياسية في الدول النامية، أكثر من النظام الرئاسي.

أما النظام الرئاسي، وهو النظام المتبع في اقوى دولة بالعالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، فهو نظام حكم تكون فيه السلطة التنفيذية مستقلة عن السلطة التشريعية، ولا تقع تحت محاسبتها، ولا يمكن أن تقوم بحلها.

لذلك يصبح رئيس الدولة، هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل، لأنه لا يوجد مجلس وزراء في النظام الرئاسي، كما هو كائن في النظام البرلماني، كما أن الدور القوي للنظام الرئاسي، ينبع من طريقة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بالبلاد، حيث للمرة الأولى في تركيا جرى الإقتراع بشكل مباشر من الشعب، خلافا للمرات السابقة التي كانت تتم من داخل البرلمان، وعليه يرى أنصار النظام الرئاسي أن الرئيس بات يمثل الشعب الذي طالما فاز بأصواته.

وفي تركيا، فإن تمرير التعديل الدستوري من البرلمان التركي ليصادق عليه رئيس الجمهورية دون عرضه على الاستفتاء الشعبي، بحاجة إلى تصويت 367 نائبا على الأقل، من أصل 550 نائبا لصالح التعديل، وأما عرض التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي، فيكفي له أن يصوت 330 نائبا لصالح التعديل.

وفي الحالتين فإن حزب العدالة والتنمية لا يملك سوى 317 نائبا، وجميع الأحزاب الأخرى أعلنت معارضتها للنظام الرئاسي، حتى "حزب الحركة القومية"، الذي أيد مع أردوغان رفع الحصانة عن النواب الأكراد، قال إنه يؤيد أردوغان فقط في مهمة محاربة "الإرهاب" الكردي، وليس في تعديل الدستور من أجل النظام الرئاسي.

وفي حال فشل الحالتين، فإن أردوغان يخطط للذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة، يطمح ليحصل فيها على غالبية الثلثين، أو على الأقل 330 نائبا.

الرئيس أردوغان، طالما شدد على أن سن دستور جديد ليس مسألة شخصية، وأن تبني نظاما رئاسيا ليس مطلب شخصي، وقال إن "الدستور الجديد لن يخدم شخص أو حزب معين، بل سيكون دستور الشعب التركي برمته، لذا ينبغي على كل من يشعر بالمسؤولية حيال هذا الوطن والشعب أن يشارك في عملية سن الدستور الجديد، كما أن النظام الرئاسي سيكون نظاما تسير عليه البلاد على مدار السنوات القادمة، وليس خلال تواجدي بمنصب الرئاسة فقط".

وفي الدعوة إلى النظام الرئاسي، تابع اردوغان قائلاً إن "الجميع يعرف الآن بأن تركيا الحالية ليست تركيا القديمة التائهة، فأمتنا التي اختارت الرئيس بالإقتراع المباشر، تعرف الآن بأنه لم يكن هناك أي فراغ في السلطة ولن يكون، وهذا هو السبب وراء رغبتنا في التحول إلى النظام الرئاسي".

في ذات السياق ذكر الكاتب محمد نور الدين في تقرير نشرته صحيفة السفير، أن هناك تخوفا واضحا لدى بعض المعارضين، مما أسموه "شخصنة الحكم"، و"شخصنة السياسة" في المرحلة المقبلة، حيث يرون أن أردوغان سيسعى نحو تركيز السلطات، وحصرها بيده، من خلال إجراء تعديلات دستورية، قد لا تبدو في متناول يده في هذه المرحلة، لأن حزبه الحاكم لا يمتلك أغلبية برلمانية كافية.

وقد كرر رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو أكثر من مرة، أن إقامة نظام رئاسي لن يمر من دون إراقة دماء.

ولا أحد يدري كيف ستكون آليات هذه المعارضة الدموية، لكن العلمانيين يدركون تماماً أن الخطوة الأخيرة لمعارضتهم يجب أن تنطلق قبل تغيير النظام، وقبل فرض الواقع الجديد على الحياة السياسية، لأنه في حال تغيّر النظام، يكون فات الأوان على أي حركة اعتراضية، ويصبح النظام الجديد شرعيا ودستوريا.

ورجح المحلل نور الدين أن النظام الرئاسي سوف يشد الخناق على عنق الدولة العلمانية ودستورها، وفي مقابل أن أكثر من ستين في المئة من الأتراك يصنفون على أنهم محافظون، والرئيس سيكون حتماً من هؤلاء، حتى لو توحدت كل القوى المعارضة، لتتراجع أي فرصة للعلمانيين في أن تستلم الرئاسة، ولتنتهي بذلك رسمياً جمهورية مصطفى كمال اتاتورك، وتتأسس بدلا منها جمهورية رجب طيب أردوغان، وأردوغان لا يريد للسقف الزمني لهذا المسار أن يتأخر عن العام 2023، الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، على أنقاض الدولة العثمانية.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس