ولاء خضير - خاص ترك برس

نشرت بعض قنوات ووسائل الإعلام العربية ما ذكرته أنه تقرير مترجم عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، قالت فيه "إن من يقوم اليوم بضبط اندفاعة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الجيش التركي، الذي يعود للظهور من جديد، كلاعب أساسي في القرارات المرتبطة بالأمن القومي"، في إشارة إلى  تصاعد نفوذ الجيش التركي، فوق رئيسه!.

بيد أن الجيش التركي عرفت عقيدته العسكرية تحولًا جذريًا بعد مجيء حكومة رجب طيب أردوغان، حيث تحول من حامٍ للعلمانية، إلى مدافع عن المواطنين الأتراك ضد التهديدات الداخلية والخارجية!.

وفيما رأت الصحيفة الأميركية أن "تحركات أردوغان باتجاه تهميش المعارضين السياسيين، وآخرها كان إخراج رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو نتيجة الصراع على السلطة-حسب وجهة نظر الصحيفة-، مهدت الطريق للضباط الأتراك للعب دور أكبر في ضبط محاولات أردوغان، لتوسيع نفوذه العالمي".

وبصرف النظر عن أن قرار تنحي رئيس الوزراء التركي داود أوغلو هو قرار شخصي بحت، ودار ضمن أجواء الرفقة الحقيقية بين أعضاء حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، فإن ربط تنحي أوغلو، ومحاولة كبح نفوذ الرئيس أردوغان من قبل جيشه العسكري، هو أمرُ غير منطقي أبدا.

بل أن هذا الربط، فيه من الخبث والسم ما هو كافٍ لكشف نوايا وحقيقة بعض الجهات الأمريكية والأوروبية الراغبة في بث الفتنة، وإحداث انقلاب عسكري على حكومة حزب العدالة والتنمية المنتخبة في تركيا.

حيث أوردت الصحيفة الأمريكية في تقريرها أن "عودة نفوذ الجيش التركي للظهور، أحيا المخاوف داخل القصر الجمهوري من إمكانية محاولة الجنرالات إسقاط أردوغان"، مذكرة بما راج من تكهنات بهذا الخصوص، بلغت ذروتها في آذار/ مارس الماضي، حين تحدثت وسائل الإعلام التركية عن محاولة أميركية في هذا الاتجاه.

مع أن الجيش التركي أصدر حينها بياناً غير مسبوق، نفى فيه تكهنات محاولة الإنقلاب قائلا "إن لا أساس لها من الصحة".

ومع العلم أن الجيش التركي على مدار سنوات طويلة تورط في عدة انقلابات عسكرية، وبتأمر غربي خارجي، كان أولها يوم 27أيار/ مايو عام 1960م، عندما أطاح بحكومة رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، الذي أعُدم لاحقا.

وكما قاد انقلابا ثانيا في آذار عام 1971م، وثالثا يوم 3 أيلول/ سبتمبر عام 1980م. كما نظم انقلابا رابعا في شباط/ فبراير عام 1997م، أطاح بحكومة نجم الدين أربكان الإسلامية.

غير أن علاقات الجيش التركي مع المجال السياسي، عرفت تحولا مفصليا بعد مجيء حكومة أردوغان، والتي أدخلت تعديلات جوهرية على دور الجيش التركي ، وبعضها جاء باتفاق مع الجيش نفسه.

حيث عملت الحكومة التركية على تقليص عدد العسكر داخل مجلس الأمن القومي إلى خمسة مقابل تسعة مدنيين، وكما صرحت أن قرارات مجلس الأمن القومي لم تعد مُلزمة، وأن الأمين العام للمجلس مدني، ويتبع لرئيس الوزراء.

كما تم إخضاع تصرفات الجيش التركي لمراقبة البرلمان التركي، في خطوة هامة جدا لمتابعة ومراقبة تحركات الجيش التركي، وسط حذر ومخاوف من تاريخ حافل بالانقلابات العسكرية، وتدخل خارجي، ودفع أيادي مأجورة لضرب استقرار البلاد، وهو ما تحرص عليه تركيا كل الحرص لعدم تكراره.

فعملت الحكومة التركية مطولا بخصوص هذا الملف الحساس، وعقدت سلسلة من التعديلات الدستورية، وأخذت الاحتياطات والخطط لمنع أي مؤامرة أو محاولة لقلب نظام الحكم داخلها، فقللت من تدخل الجيش في العملية السياسة.

وفي عام 2013م، أقر البرلمان التركي تعديلا على قانون الجيش، يقضي بأن الجيش يدافع عن المواطنين ضد التهديدات الخارجية، وذلك عوضا عن قانون الخدمة الداخلية للقوات المسلحة التركية، والتي كانت تضفي شرعية على كل الانقلابات، التي كانت تقول إن الجيش يحمي العلمانية في تركيا.

كما أن الإنجاز الاقتصادي القوي لحزب العدالة والتنمية، وحفاظ الحزب على جاذبيته باعتبارها جزءا من قاعدته الشعبية، ومع تصاعد معدل النمو، وتراجع مؤشر البطالة، وعدم وجود بديل سياسي مقنع أو أفضل من الحزب الحالي، ساهم أيضا في تراجع الصورة الذهنية للمؤسسة العسكرية، وعدم وقوف الشعب التركي وراء أي تحرك من الجيش، قد يهدف إلى إسقاط الحكومة التركية الحالية.

ورغم التدابير القانونية والدستورية والسياسية التي مررتها حكومات العدالة والتنمية منذ وصولها للسلطة في العام 2002م، وسعيها الى تخفيف تدخل الجيش في العملية السياسية، إلا أن  ذلك أسهم في إرتفاع وتيرة وقوة الجيش التركي، حيث تأتي تركيا في المرتبة الثانية في الناتو، بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث قواتها العسكرية، ووصلت لمرتبة ثامن أقوي جيش عسكري في العالم.

وفيما يتعلق بالقضية السورية، أشار تقرير الصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال" إلى تهديد أردوغان بإرسال قوات قوات تركية إلى سوريا، لمواجهة هجمات داعش على المدن الحدودية التركية، وإقامة مناطق أمنة على الحدود مع سوريا، وفي مقابل رفض قادة القوات المسلحة التدخل في أي عملية برية محتملة داخل الأراضي السورية، في إشارة من الصحيفة إلى عمق الهوة بين الجيش التركي، ونخب العدالة والتنمية.

بيد أن الرئيس التركي أردوغان لم يصرح بتناقض الرؤية مع قيادات الجيش التركي، بل أكد أن تركيا لن تغامر وحدها، وأن أي خطة لأرسال أعداد كبيرة من القوات القتالية إلى سوريا، لم يتم من دون دعم الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في حلف شمال الأطلسي، خشية تعرض الجنود الأتراك لقصف الطائرات الروسية، ومواجهة إدانة دولية.

وفي حين أن مسؤولين عسكريين، ودبلوماسيين أميركيين حسبما أورد التقرير، يعزون زيادة نفوذ الجيش التركي إلى رئيس هيئة الأركان العامة خلوصي أكار، الذي يتحدث الإنكليزية، وخدم في مواقع عدة في الناتو، وأن له علاقات قوية مع نظرائه العسكريين في الغرب.

لكن أكار الذي تسلم منصبه في آب/ أغسطس الماضي، تربطه أيضا علاقة قوية بأردوغان، حيث كان أحد الشهود الرسميين على زفاف ابنته نهاية الأسبوع، مما يؤكد عمق العلاقة بين الحكومة والمؤسسة العسكرية.

وهو ما أكده رئيس الوزراء أحمد داود أوغلوا، بعد إعلان تنحيه إلى مراكز القيادة العسكرية، ولقائه رئيس هيئة الأركان أكار قائلا بعد اللقاء " إن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل تركيا تتطلع إلى المستقبل بثقة، في النظام الديمقراطي، بالرغم من أزمات المنطقة، هو قائد الجيش التركي".

الحكومة التركية التي تطمح لتحقيق حلم "تركيا دولة عظمى وأمة كبرى لعام 2023م، لتُنافس به أكبر دول العالم، تدرك تماما أن تحقيق ذلك هو مرهون بالعلاقة المتنية مع المؤسسة التركية العسكرية، والتي تصاعد نفوذها وقوتها بعمل مشترك مع الحكومة التركية، وأصبحت طرفا فاعلا في المشهد العام التركي، بعد نحو عقد كامل من الخفوت والإنزواء والمؤامرات.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس