بقلم إبراهيم عبدالله - خاص ترك برس

الاتفاق بين تركيا وإسرائيل ليس مثاليا، وهذا ما لا نتردد في قوله، كما لا تتردد في قوله القيادة التركية... لكن يكفي تركيا بقيادة العدالة والتنمية فخرا وفي ظل الظروف المحلية والإقليمية والدولية المعقدة، أنها حققت ما يلي:

أولا: فرضت تركيا على إسرائيل ان تعترف بمسؤوليتها عن مجزرة مرمرة، وأن تعتذر بشكل واضح دون مواربة عن جريمتها، ودفعها مرغمة مبلغ تجاوز العشرين مليون دولار كتعويضات لأسر الضحايا والشهداء.

ثانيا: لم تستطع تركيا انتزاع موافقة إسرائيلية واضحة لإنهاء رسمي لحصار القطاع، إلا أنها انتزعت اعترافا غير رسمي برفع الحصار من خلال الاتفاق على إعطاء تركيا حرية مطلقة في تنفيذ مشروعات خدماتية عملاقة لسكان القطاع وهو الذي معناه ببساطة إنهاء آثار الحصار عمليا وللأبد... وأعتقد أن هذا التطور في المنظور الاستراتيجي التركي سيؤدي في المستقبل القريب أو المتوسط إلى إقامة الميناء والمطار واللذين - مع الأسف - يواجهان فيتو فلسطيني (رام الله) وإقليمي ضاغط على الاحتلال الإسرائيلي وداعم لبعض المواقف الصهيونية الرافضة لتشييد ميناء أو مطار، وهما أهم معالم رفع الحصار عن قطاع غزة.

ثالثا: رفضت تركيا رفضا قاطعا تدخل إسرائيل في شأنها السيادي بما يخص إقامة علاقات مع من تراه مناسبا بما ذلك حماس، حيث أصرت تركيا على إبقاء العلاقة بينها وبين قيادة حماس في تركيا بعيدا عن الاتفاق، وما أشير في الاتفاق من تعهد تركيا بضمان عدم إخراج حماس عمليا ضد إسرائيل من تركيا، فهذا تحصيل حاصل، وهذا ما تفعله حماس دائما ليس مع تركيا فقط... لقاء أردوغان مع خالد مشعل قبل يومين من التوقيع على اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل له دلالات سياسية بعيدة الأثر، أهمها التأكيد على أن العلاقة بين تركيا وحركة حماس خط أحمر لا يحق لإسرائيل أن تتجاوزه.

رابعا: رفضت تركيا رفضا قاطعا ربط الاتفاق بإعادة الاسرى الإسرائيليين جنودا ومدنيين، وكل ما وعدت به تركيا أن تبذل جهودا في اتجاه التوصل إلى اتفاق حمساوي - إسرائيلي في هذا الاتجاه، والذي يعني - ربما - صفقة تبادل أسرى تنصف الفلسطينيين وتحقق لهم مكاسب معتبرة في موضوع الأسرى...

رابعا: تدرك تركيا أنها كي تكون فاعلًا دوليًا ولاعبًا مهمًا بالملف الفلسطيني ينبغي أن تكون علاقاتها جيدة مع كل الأطراف، وهذا ما يحصل حاليًا، فتركيا بعد الاتفاق تربطها علاقات بإسرائيل والسلطة والفصائل وعلى رأسها حماس، ما يؤهل تركيا للعب دور سياسي واقتصادي كبير في المرحلة المقبلة.

خامسا: هنالك صراعات دولية وإقليمية ظاهرة وخفية، عسكرية واقتصادية في أكثر من إقليم وقارة على مستوى العالم كسوريا، والعراق، وغيرها، ومنها كأفريقيا، ومنها العلاقات الإسرائيلية - القبرصية، والإسرائيلية - اليونانية، تسعى تركيا إلى أن يكون لها فيها دور يتفق مع قيمها الإسلامية في الدفاع عن العدل والحرية، وبما سيعرقل جهود إسرائيل بشأن توسيع مناطق نفوذها وتأثيرها في مناطق حساسة لها أثرها المباشر على تركيا والعالم العربي والإسلامي.

سادسا: الذي يعرف مواقف أردوغان والقيادة التركية المبدئية وغير المساومة ذات العلاقة مع الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي، لا يستطيع أن يتجاهل أن القيادة التركية بهذا الاتفاق لن تدفع أية أثمان لإسرائيل، بل ستسعى لاستثمار الاتفاق لأحداث قفزات نوعية على المستوى الفلسطيني وهو لب الاتفاق، وإضعاف موقف إسرائيل دوليا، "وابتزازها" حتى النخاع في هذا الاتجاه... تركيا في الحقيقة ليست بحاجة إلى إسرائيل بقدر ما تحتاج إسرائيل إلى تركيا في ظرف تعاني منه من عزلة دولية واضحة.

سابعا: أردوغان والقيادة التركية يعون تماما "فقه الأولويات" و"فقه الموازنات" والذي يعني استثمار كل الظروف "ما أمكن" لتحقيق "ما أمكن" من إنجازات، والتخفيف "ما أمكن" من الخسائر على المستوى الفلسطيني في غزة والقدس والضفة وحتى في الداخل الفلسطيني، وذلك في ظل خلل واضح وأزمة حقيقة على المستويين العربي والإسلامي، أصبحت فيه أغلب هذه الدول إن لم يكن كلها، منشغلة بأزماتها الداخلية وبالصراعات الإقليمية التي أخذت بعدا خطيرا بدخول محور الشر: روسيا - أمريكا - إيران - إسرائيل وأذنابها دولا ومنظمات، على خط هذا الصراع... لذلك لم يكن غريبا أن يأتي هذا الاتفاق على اعتباره الأقل سوءا في ظل الظروف الحالية، أملا في أن تمهد هذه المرحلة لمرحلة أخرى تتغير فيها الموازين بشكل يتيح لتركيا ومعها آخرون فرض شروطها التي تلبي أشواق الأمة، وتنتزع حقوقها كاملة دون نقص، كما حصل في صلح الحديبية وما بعدها.

ثامنا: يجب أن نعترف أن أردوغان والقيادة التركية مدرسة في قيادة العمل السياسي الرصين والهادئ والعميق وبعيد المدى، مع عدم نسياننا أن هذه القيادة في النهاية غير معصومة وقد ترتكب الأخطاء، إلا أنها أخطاء من يعملون، لا أخطاء العاجزين من عملاء الوطن العربي والإسلامي... أعني الأنظمة الفاشلة وحلفاءها من القوى الفاشية العلمانية، من غير تعميم طبعا...

عن الكاتب

إبراهيم عبدالله

الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس