الأناضول

أعرب رئيس منتدى الشرق المدير السابق لشبكة الجزيرة القطرية، وضاح خنفر، عن اعتقاده أن الأمريكيين علموا بمحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا قبل وقوعها دون أن يتبنوها، واصفاً ما حدث في تركيا بأنه لحظة "تاريخية فارقة" في هذا البلد وفي الشرق الأوسط.

وقال خنفر في مقابلة مع الأناضول إن "انقلاباً بهذا الحجم لن يستطيع أن يفعل شيئاً دون أن يستشير أو يُعلم الأمريكيين"، مضيفاً "لا يجب أن ننسى أن جيش تركيا هو ضمن جيوش حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وأمريكا لها قاعدة في إنجرليك التركية، ونعلم أنه مازالت إشكالات في هذه القاعدة، وللضباط الأتراك زملاء أمريكيين فيها".

وتابع: "لا أظن أن الأمريكيين لم يكونوا على علم"، مستطرداً في هذا الصدد أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري "رفض هذا الاتهام، وهذا أمر متوقع أن يعلن بأن واشنطن ليس لها علاقة".

وأشار خنفر إلى أن التصريح الأول لكيري كان "مترددا ولم يكن حازماً في الساعة الأولى لمحاولة الانقلاب (الجمعة الماضية)، لكن بعد ذلك خرجت تصريحات من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وغيره، كانت أقوى في دعم الحكومة الشرعية في تركيا".

أما فيما يتعلق بالموقف الأوروبي من محاولة الانقلاب الفاشلة، فلفت رئيس منتدى الشرق إلى أن أوروبا بمواقفها السياسية والإعلامية "أصرت على أن ترسم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، صورة تسلطية ديكتاتورية، وهذا شاهدناه جلياً في السنوات الماضية"، معتبراً أن "الرد المتأخر، والتفاعل الأوروبي المتردد إزاء ما حصل، أكبر مؤشرين على أن أوروبا لا تحب لتركيا أن تستمر فى مسارها الحالي بقيادة أردوغان".

وأردف قائلاً "عندما حدث الانقلاب لاحظنا في الإعلام والمواقف السياسية الغربية، حالة من التردد، حيث أنهم لم يسارعوا في إدانة ما حصل، بل على العكس، كانت بعض التصريحات شامتة وبعضها كأنه يعطي للانقلاب قدراً من الوقت لإثبات نفسه". 

ومضى بقوله "لا شك أنه لو نجح هذا الانقلاب لكان الموقف الأوروبي تجاهه إيجابياً، ولكن بعدما تبين للغرب عموماً، ولكثير من دول الجوار أن الشعب التركي قد أفشل الانقلاب؛ بدأت التصريحات المعارضة لما حدث تخرج من العواصم الغربية".

مستدركاً "هذا الموقف إن كان الغرب قد اتخذه، فهو مخالف لفكرة المصالح من حيث المبدأ، لأن تركيا إذا انزلقت باتجاه الفوضي، فهذا سوف يؤثر مباشرة على مصالح أوروبا، سواء بالنسبة لقضية اللاجئين أو قضية الإرهاب وغيره". 

في السياق ذاته، وصف الإعلامي العربي البارز ما حدث في تركيا بأنه لحظة "تاريخية فارقة" في هذا البلد وفي الشرق الأوسط "لأنه أثبت أن هناك تجربةً ديمقراطيةً في منطقتنا وصلت إلى مرحلة النضج الشعبي، والإجماع الكامل، بغض النظر عن الايديولوجيا والانتماءات الطبقية والمذهبية، وهذا شيء مهم للغاية".

كذلك اعتبر ما حصل "لحظة فارقة ستؤثرعلي ميلاد تركيا الجديدة"، مضيفاً "ما نشهده اليوم، هو المخاض الذي سوف يؤدي رسمياً إلى مرحلة جديدة في الحياة السياسية التركية الداخلية والخارجية".

"ما نعيشه اليوم، هو انهزام القديم في محاولة إعادة نفسه إلى سدة الحكم، مقابل انتصار الجديد" يكمل الإعلامي العربي حديثه، مشيراً إلى أن "هذا الجديد المنتصر، في الأصل جاء على أكتاف الشعب جميعاً، بإجماع وطني لم يسبق له مثيل".

أما القديم المتشكل من الجيش والقوى الداعمة له، فلم يعد على صلة حقيقية مع الشعب؛ كما يرى خنفر الذي أكد على أن "المجتمع بات يدرك جيداً بأن الديمقرطية التي أثبتها أردوغان وفريقه، تأتي له بالازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي، وأيضًا بنمط جديد من الحياة، يستطيع أن يستمتع فيه بقوة الدولة، وأن يستظل بظلها، في مقابل الانقلابات السابقة التي كانت فيها الدولة خصما للناس، عشرات السنين".

ورأى أن "الديمقراطية أصبحت وثيقة الصلة بحياة الناس، وأصبحت جزء لا يمكن تخيل الحياة من دونه؛ وهذا أمر أدركه المجتمع التركي، وهو عنصر في غاية الأهمية بالنسبة لنا جميعا في المنطقة".

وعن تأثير الانقلاب الفاشل على موقع تركيا في المنطقة ، رأى خنفر أن "السياسات الخارجية لأية دولة تنبني عادة على المصالح، وهذا الأساس الذي حاولت تركيا أن تبني سياستها الخارجية وفقا له، لاسيما في المرحلة الأخيرة، حيث حاولت تركيا أن توزان علاقاتها مع دول المنطقة، كروسيا وحتى مع إسرائيل".

وتابع: "الانقلاب أعطى للرئيس أردوغان وحكومته دفعة من الشرعية والإجماع الشعبي، يستطيع من خلاله أن يقود سياسة خارجية وداخلية واثقة وقوية ومتماسكة؛ مؤكداً أن الرئيس التركي "سيستثمر هذه اللحظة التاريخية في ترسيخ العملية الديموقراطية، حتى تصبح غير قابلة للنقاش في المستقبل".

وأوضح أن "المعايير السياسة الخارجية التركية سيكون من ضمنها موقف دول الجوار، أو حتى موقف المجتمع الدولي من الانقلاب، بمعنى أن الانقلاب هو اللحظة التي استطاعت الدولة من خلاله أن تكتشف من هو الصديق ومن هو الشامت أو المتآمر"، مضيفاً "ولذلك من الطبيعي أن يكون موقف السياسة الخارجية التركية مستقبلاً، آخذ بالاعتبار هذه المواقف التي جاءت بها إما دول الجوار أو دول العالم من حولها، وسيحدد ذلك طريقة وفلسفة العلاقة مع هذه البلدان".

رئيس منتدى الشرق تحدث في مقابلته عن دروس يجب الأخذ بها كمنطقة عربية من هذا الانقلاب وفشله ورفضه من قبل الشعب التركي بكافة أطيافيه، وهي أن "حماية الديمقراطية ليست مسألة صناديق اقتراع فحسب، وإنما بناء إجماع شعبي عابر للايديولوجيا، وعابر لكل الفئات الشعبية من أجل مفهوم حر وديمقراطي يستوعب الجميع".

"فالإجماع الشعبي" بحسب خنفر "ضروري"، أما الإقصاء الشعبي "فلا يؤدي إلى ديمقراطية"، لافتاً إلى أن "المطلوب الآن من شعوبنا هو أن تستلهم ما حدث في تركيا، بأن الذي يحمي الديمقراطية هو الشعب الذي وصل غلى حالة الوعي والنضج بأن الديمقراطية تخدم كل فئات المجتمع ولا تنفع فقط فئة وتهمش أخرى، هذا المفهوم من الإجماع الشعبي حول الديمقراطية هو الدرس الأهم الذي ينبغي لنا أن نتعلمه" .

ودعا الإعلامي العربي إلى "مراقبة كيفية تأثير الحالة السيكولوجية العميقة جدًا في المجتمع التركي والحكومة التركية، وكيف ستؤثر في بناء تركيا الجديدة وطريقة تعامل هذا البلد مع دول الجوار، وتعميق سياسته بشكل أصبح لديه الآن مرتكزات يبني عليها"، مشدداً على أن "المسألة لم تعد عبارة عن أماني في إعادة بناء العلاقات، وإنما سيصل صانع القرار السياسي التركي إلى قناعة بأن الأطراف لن تقبلك حتى وإن غازلتها وتتقرب منها، لأنها في النهاية معنية بزوالك، وبالتالي يمتلك القوة الشعبية اللازمة لإسقاط أية محاولة للانقلاب".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!