بليدا كورت دارجان وبارين كايا أوغلو - ناشونال إنتريست - ترجمة وتحرير ترك برس

الطائرات بدون طيار شيء عظيم. والإصدارات التجارية المتوفرة منها ممتعة للعب بها، فهي تصور مشاهد جميلة من الجو، وتساعد في حماية البيئة والبحث العلمي، حتى أنها تنقل الطرود، كما  تنقل القنابل مثلما اكتشف الجيش التركي أخيرا.

في السابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول أسقطت طائرة بدون طيار تُسيرها داعش قنبلة على جنود أتراك في قرية وقوف السورية جنوبي بلدة الراعي، ما أسفر عن إصابة ثلاثة جنود، إصابة أحدهم حرجة. هؤلاء الجنود جزء من عملية درع الفرات التي يقودها الجيش التركي، وتهدف إلى دعم الجيش الحر ضد داعش ووحدات حماية الشعب الكردي "بي واي دي" حليف حزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا.

لم يكن استخدام داعش لطائرات بدون طيار للهجوم على الجيش التركي مستغربا، فقد تركت الطائرات بدون طيار التجارية بصمتها على الصراعات المسلحة لبعض الوقت. فعلى سبيل المثال، يستخدم حزب العمال الكردستاني الطائرات بدون طيار التجارية لأغراض الاستطلاع في البيئة الحضرية ضد قوات الأمن التركية خلال العمليات التي تشنها ضد حزب العمال في جنوب شرق تركيا في العام الماضي وخلال العام الحالي.

وفي وقت سابق بين عامي 2014-2015 وخلال أشد مراحل القتال في أوكرانيا، ساعدت الطائرات بدون طيار التجارية في الاستطلاع الجوي، واكتشاف الأهداف، وتوجيه النيران. وفي أغسطس/ آب الماضي فقط استخدمت مليشيات حزب الله الشيعي اللبناني طائرة تجارية بدون طيار مسلحة ضد قوات المعارضة السورية خارج حلب.

من الواضح أنه بطائرة بدون طيارة ناسفة ومناسبة (بعضها يكلف أقل من بضع مئات من الدولارات) يمكن للجماعات المسلحة أن تلحق الضرر بقوات المعارضة، وتدمر الروح المعنوية، وتخرب معدات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.

هل هناك وسيلة فعالة لمواجهة جواسيس الفقراء المتقنة، ومكافحة الدروع واستهداف المسلحين؟ الولايات المتحدة حليف تركيا تعتقد بوجود هذه الوسيلة.

على مدى السنوات القليلة الماضية باشر الجيش الأمريكي إجراء أبحاث لإيجاد تدابير دفاعية ضد مشغلي الطائرات بدون طيار. ووفقا لماتيو كوكس المحلل العسكري في موقع ميليتاري، لم تكن هذه مهمة سهلة، فالأسلحة الصغيرة، سواء أكانت بنادق أم مدافع رشاشة صغيرة، لا يمكنها إسقاط طائرات بدون طيار محملة بالمتفجرات. وليست الصعوبة في إسقاط الطائرات بدون  طيار الصغيرة وسريعة الحركة فقط، بل هي مستقرة أيضا، ويشكل كشفها قبل اقترابها تحديا كبيرا.

وقد عجلت عودة القوات الأمريكية إلى العراق عام 2014 مع ظهور تهديات الطائرات بدون طيار التجارية في حرب غير متكافئة، بالبحث عن تدابير مضادة فعالة. وتُظهر صورة التقطت في 22 يوليو/ تموز في قاعدة "فاير بيز بيل" الأمريكية في بلدة مخمور العراقية السلاح المضاد للطائرات بدون طيار الذي طوره معهد باتيل التذكاري. ويصف توماس جيبونز نيف في صحيفة واشنطون بوست كيف يعمل هذا النظام الجديد:

"النظام لديه القدرة على تعطيل الرابط بين مشغل الطائرة والطائرة نفسها، كما انه قادر على تعطيل تزامن الطائرة مع نظام تحديد المواقع (جي بي إس). ومن غير الواضح نوع التردد الذي تستخدمه البندقية لمهاجمة الهدف، لكن حجم الهوائيات المزدوجة المنصوبة تشير إلى أن تعطيل الذبذبة يوزع عبر نطاقات تردد لاسلكية  متعددة. يصل مدى البندقية إلى 400 ياردة تقريبا، وتصل إلى الطائرة بدون طيار في مخروط 30 درجة، وتكون جاهزة للاستخدام، وإطلاق النار في أقل من ثانية. وبصرف النظر عن الهوائيات، وارتباط حزم البطارية، تبدو البندقية المضادة للطائرة بدون طيار شديدة الشبه ببندقية إم 16، و إم 4 التي تحملها القوات الأمريكية، بما في ذلك التشابه في خزانة البندقية، ونظام الملحقات مثل التلسكوب والضوء الومضي. ولا تتطلب البندقية تدريبا واسعا.

ونظرا لصعوبة اكتشاف أهداف صغيرة تحلق على ارتفاع منخفض، فقد اقترن السلاح المضاد للطائرة برادار محمول يمكنه كشف الطائرة بدون طيار على بعد عدة كيلو مترات.

سوغ هجوم ميليشيات حزب الله على المعارضة السورية بطائرة بدون طيار قلق الولايات المتحدة، فالميليشيا الشيعية مسلحة بطائرات بدون طيار متعددة المراوح مزودة بقنابل (ربما كانت قنابل صينية من نوع إم زيد 2 العنقودية) واستخدمتها ضد قوات المعارضة بالقرب من حلب.

على أن إمكانية تحويل الطائرات بدون طيار إلى طائرات قاذفة، وإلى جهاز تفجيري ارتجالي يمثل مرحلة خطيرة في قتال غير متكافئ، وذلك بالاستخدام المتزايد لتكنولوجيا مدنية رائجة في سياق شبه عسكري.

ومثلما أشار دافيد أكس في موقع ديلي بيست، فإن الطائرات بدون طيار رخيصة يسهل الحصول عليها وتشغيلها. الطوافة متعددة الأجنحة "كوادكوبتر" متاحة للجميع حتى للقوى العسكرية الفقيرة بمائتي دولار. وهذا يعني أن "هذا النوع يمكن أن يظهر مرة أخرى لا في سوريا فقط، بل في جميع ساحات القتال في أنحاء العالم، بوصفه طائرة قاذفة، أو طائرة انتحارية مجهزة للتفجير الذاتي عند توجيه الأمر لها". وبسبب هذا السعر يشير دافيد أكس إلى "أن الطائرات بدون طيار التجارية هي ذخيرة الفقراء الموجهة بدقة" يمكن للطائرات بدون طيار التجارية أن تطير على بعد مسافة قصيرة من مُشغلها، ويمكنها في أفضل الظروف أن تحمل بضعة أرطال من الشحنات المتفجرة. لكن ما تفتقر إليه الطائرات بدون طيار متعددة الأجنحة في القوة المحضة يعوضه الاستقرار، وبالتالي قدرتها على إلقاء الذخائر غير الموجهة بدقة.

ما هي الدروس التي يجب لتركيا أن تستخلصها من هذا كله في مجال الدفاع واتخاذ التدابير المضادة الكافية لحماية قواتها وحلفائها؟ من الواضح أن الجيش التركي في حاجة إلى تطوير الاستعداد التكتيكي والتقني في بيئات متحركة شديدة التقلب، مثل سوريا. إن فقدان قوات ومعدات بالصواريخ المضادة للدروع و"الطائرات بدون طيار الانتحارية" سيكون له تداعيات سياسية كبيرة للجيش التركي بعد محاولة الانقلاب الساقط في يوليو 2015.

في حالة الطائرت بدون طيار أثبتت الدراسات التقنية التي أجراها الجيش الأمريكي لمكافحة الطائرات بدون طيار أن التاقلم بسرعة مع التهديدات المتنامية في ساحة المعركة، ولاسيما في الحالات غير المتكافئة، والحرب غير النظامية والحرب الهجينة، يتطلب عدة أمور:

أولا إجراء مسح دقيق للتكتيكات والتقنيات والتكنولوجيات والمواد المستخدمة في الصراعات التي تدور حاليا، سواء أكان ذلك في بيئات مماثلة لسهول أوكرانيا وصحراء سوريا أم في المناطق الحضرية في العراق.

ثانيا، يجب أن يتبع ذلك إجراء عمليات بحث وتطوير واختبار وتقييم واسعة للتكنولوجيات الجديدة والنظم القتالية وتطوير التكتيكات والتقنيات والإجراءات. ينبغي ان يؤخذ في الحسبان التوجهات في التقنيات العسكرية التي يستخدمها من يُسيّرون الطائرات بدون طيار. ويجب على الجيش التركي أن يدرس نظام الدفاع الجوي المحمول ضد الطائرات بدون طيار، ومعدات الحرب الإلكترونية،وأشعة الليزر منخفضة الطاقة( من 5-10 كيلو وات) التي يمكن نقلها على المركبات الخفيفة على الخطوط الأمامية.

طور مركز الصناعات العسكرية الإلكترونية التركية" أسيل سان" نظاما للدفاع الجوي مجهز برادار مراقبة يعرف باسم المدفع كوركوت ذاتي الحركة، المزود بمدفع 35 مم، وقد نشر المدفع على الحدود السورية. كما نشر الجيش التركي خلال السنوات القليلة الماضية منظومة التشويش الرادارية التركية أجار.

على أن هذه الأنظمة قد صممت أصلا لمواجهة التهديدات التقليدية، وقد لا توفر دفاعا مناسبا ضد الطائرات بدون طيار المسلحة وذات التكنولوجيا الفائقة. ومن الواضح أن على الجيش التركي أن يعمل بجد وبسرعة أكبر لمواجهة أزيز الطائرات بدون الطيار القاذفة.

وبطبيعة الحال لا تحتاج تركيا فقط بل حلفاء الناتو أيضا إلى أن يكونوا أكثر يقظة تجاه التهديدات التي يشكلها تسليح التقنيات المدنية المتاحة على نطاق واسع. وأخيرا، نحن نعيش في عالم، على حد تعبير الروائي ويليام جيبسون، حيث يوجد مستقبل الحرب  موجود هنا، لكنه ليس موزعا بالتساوي. إن التطور في تصميم المعدات بالغة الصغر والحوسبة والروبوتات إلى جانب التطور في مجال الأسلحة الموجهة بالطاقة والحرب الإلكترونية، كل ذلك يساعد الدولة والكيانات غير الدولية، وتشكل ساحات القتال المستقبلية.ينبغي لأي قوة عسكرية تريد أن تتجاوز أعداءها الحاليين والمستقبليين أن تعيد النظر في المستقبل لمصلحتها الخاصة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس