حليمة كوكتشة – ستار - ترجمة وتحرير ترك برس

تحدث رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان قبل أيام بوضوح عن عملية الموصل وقال: "سوف نشارك في العملية ونتواجد على الطاولة كذلك". لماذا يحاولون إبقاء تركيا خارج الحلف المباشر للعملية؟ لأنهم يرغبون بمشاركة حزب العمال الكردستاني – حزب الاتحاد الديموقراطي الموالي للاتحاد الإيراني الأمريكي ولرغبتهم في الزج بالسياسة الشيعية في العملية.

استطاعت تركيا بشكل فعلي إيقاف مشروع حزب العمال الكردستاني من خلال عملية درع الفرات. أما الانزعاج من الوجود التركي في مخيم بعشيقة والذي عبر عنه العبادي بشكل متواصل هو في الحقيقية انزعاج من أن تُشكّل تركيا حاجزًا في وجه دهاليز السياسة الشيعية في المنطقة. وإذا ما تذكرنا السياسة الإيرانية الرامية إلى بسط نفوذ الشيعة ونشر التشيع وتذكرنا كذلك أن الاتفاق الثاني القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بخصوص المفاعلات النووية هو قائم بشكل أساسي على التسبب بتراجع وتخلف الدول السنية، عندها يمكننا أن ندرك الأهمية القصوى للإصرار التركي على المشاركة في عملية الموصل.

إن "عدم الرد" هو الرد الأفضل على كمال كلتشدار أوغلو وأصدقاء الساز (آلة موسيقية منتشرة بين العلويين في تركيا) الذين يرون في إصرار طيب اردوغان على المشاركة في عملية الموصل أنه "مثل طفل صغير منعوه من اللعب معهم فحاول أن يتطاول ويظهر ذاته بينهم". أضف إلى ذلك أن هذه الجماعة أبعد من أن تفهم أهمية المشاركة وجدية الأمر وأن القضية تتجاوز أردوغان لتكون قضية الأمة التركية. فهؤلاء الذين نشروا مقالات بهذا الخصوص في صحفهم بعناوين مثل: "بعد سوريا ننحرف عن الطريق لندخل وحل الموصل" و"إنهم يملؤون رؤوسنا بالعديد من المتاعب"، هم ذاتهم الذين وقفوا في شارع بغداد (شارع في إسطنبول تابع لبلدية قاضي كوي ذات الأغلبية العلمانية) ليُحيّوا دبابات الانقلابيين وهم ذاتهم الذين قالوا من مصايف ألاتشاتي (مصايف في مدينة إزمير ذات الأغلبية الموالية لحزب الشعب الجمهوري): "ليتنا لم نُضطرّ إلى قطع عطلتنا"، وما زالوا يمارسون سياستهم بالطريقة ذاتها.

فلا أحد في تركيا يعاني من اضطراب الأفكار أو يعارض مشاركة تركيا في عملية الموصل سوى حزب الشعب الجمهوري الذي يضطلع منذ زمن طويل بدور المنفذ للأجندة الأمريكية وفعل ما ترسمه واشنطن. تركيا اليوم رغم احتمال الأخطاء والندم تتحول إلى قوة خشنة hard power يمكنها التقدم بخطوات ثابتة. ويمكنها أن تحسب وتقدر الأمور لتجيب عن لماذا وكيف وكم ولتظهر للمتسائلين أنها على حق وأنها يمكنها حصاد النتائج والنجاحات تماما كما حصل في عملية درع الفرات الأخيرة.

في الوقت الذي كانت فيه جميع الأطراف المشاركة بحرب الوكالة هذه تسعى وراء كل شيء إلا مصلحة الشعب السوري، وعلى حسب تعبير رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي: إنهم يأتون من تكساس ليقولوا كلمتهم في العراق وسوريا ويرون أ لهم الحق في ذلك، فلماذا إذا يستغربون من تدخل تركيا التي تملك حدودًا تصل إلى 1300 كم مع هاتين الدولتين ويطالبونها بالوقوف جانبا؟ هل يعقل هذا؟

خصوصا أن هذه الحدود المشتركة كانت منذ فترة طويلة مصدرًا لانعدام الأمن في تركيا وتهديدًا للأمن القومي فيها.

روسيا ومن خلال مشاركاتها في الحرب السورية استطاعت أن تزيد عدد قواعدها العسكرية هناك أما الولايات المتحدة الأمريكية التي لم يكن لها يوما وجود في سوريا أصبحت من اهم اللاعبين هناك. الولايات المتحدة صاحبة فكرة "إن كلًا من سوريا والعراق لن تبقى قطعة واحدة" تمارس سياسات لا شك أنها ستؤثر على الجنوب التركي. فالقضية ليست قضية وحدة التراب السوري أو العراقي فقط وإنما قضية السيطرة والنفوذ التركي ووحدة التراب التركي المعرض للتهديد من هذه السياسات والتطلعات كذلك.

ولمحاولة فهم التغير الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية وإيران اللتان لعبتا طوال أعوام دور "الشيطان الأكبر- العدو اللدود" إلى التقارب ومشاركة نفس الأفكار والتطلعات بخصوص حزب العمال الكردستاني والسياسة الشيعية، لا بد لنا من مراقبة أحجار للعبة التي تغيرت. فبعد بوش جاء أوباما وبعد أحمدي نجاد جاء روحاني... تغير اللاعبين أدى إلى تغير طبيعة اللعبة في المنطقة لتسير مجريات الحدث بسرعة الأفلام.

لقد اختلطت الأوراق من جديد، فتركيا استطاعت أن تمر من محنة الخامس عشر من تموز/ يوليو وأن تخرب تلك اللعبة. وكما استطاعت أن تنجح في عملية درع الفرات التي سارت بها وفق مخططاتها وحسب متطلبات أجندتها فإن باستطاعتها اليوم كذلك أن تظهر للأطراف المخاطبة قدرتها على النجاح بعملية درع الموصل حسب خطط مؤثرة وقابلة للتنفيذ.

الجميع يعلم أن تنظيف مدينة الموصل من داعش لا يعني إزالة داعش من الوجود ولا يعني أن تصل العراق إلى نقطة الاستقرار ولا يعني كذلك أن تحظى الموصل بالأمن والسكينة. العبادي يحاول تنفيذ ما فعله الأسد في مدينة حلب إذ يسعى إلى إقامة التوازن الديموغرافي من خلال إبادة الشعب السني في مدينة الموصل. فالشعب المظلوم في مدينة الموصل والذي يرضخ لضغوط سيطرة داعش يتعرض إلى إبادة مذهبية وحشية تحرق الأفئدة على أيدي الميليشيات الشيعية. هذه الخطة التي ستقود إلى تقسيم الموصل كحل وحيد وغالبا هو المطلوب.

عن الكاتب

حليمة غوكتشة

كاتبة في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس