متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

تلفت الاستراتيجيةُ الانتباه بمواقفها السابقة. ضيّف الرئيس أردوغان أخيرا عددا من مخاتير القرى في مجمع القصر الرئاسي، وقد لفت انتباههم بالتأكيد قوله: " لن ننتظر المشاكل حتى تدق أبوابنا، ولن ننتظر حتى اللحظة الأخيرة حتى نغرق تماما في المستنقع. هل هناك مشكلة مع الإرهاب؟ لن ننتظر حتى يدق خطر المنظمات الإرهابية أبواب بلادنا، سنلاحق هذه المنظمات، وننقض عليها أينما وُجدت، لإنهاء فعالياتها والقضاء عليها".

جوهر هذا النهج الأمني الجديد الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام التركية المؤيدة للحكومة اسم " عقيدة أردوغان" أن تركيا يجب عليها تبني سياسة استباقية ووقائية لمواجهة المشاكل الخارجية والتهديدات الأمنية.  نوقشت هذه العقيدة على نطاق واسع في أروقة أنقرة وفي وسائل الإعلام، وتعد نقطة تحول في الأمن الاستباقي والسياسة الخارجية، وهي تشبه شبها كبيرا تعريف الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش عام 2002 لاستراتيجية الأمن القومي بأنها " الوقاية والمبادرة في العمليات".

في مقال له في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول نشرته صحيفة يني شافاق الموالية للحكومة أوضح البروفيسور شعبان كارداش، مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في أنقرة، بعض ملامح هذه العقيدة. تتضمن الاستراتيجية مفاهيم مثل الاستخدام الفعال للقوة العسكرية خارج الحدود عند الحاجة، وإمكانية تجاهل علاقات التحالف التقليدية، والتحرك المستقل من جانب واحد عن الولايات المتحدة وحلف الناتو.

ووفقا لكارداش، فإن التهديدين اللذين يحتلان أولوية قصوى في عقيدة أردوغان، هما شمال سوريا وحزب العمال الكردستاني الذي يزداد نفوذه في العراق. وكتب كارداش " عندما تفكر في إمكانية العمال الكردستاني على الحشد وأسلحته المتقدمه وخبرته، فسيكون من المستحيل التعامل معه ومع غيره من المخاطر دون سياسة أمنية تتخطى الحدود".

كتبت نورسين غوني أستاذة العلاقات الدولية في جامعة يلديز التقنية مقالا بصحيفة يني شافاق في الثاني من نوفمبر قالت فيه" هذا التغيير في المفهموم الاستراتيجي لتركيا هو في الواقع رفض لأن تكون مطوقة، وذلك بالانتقال من النهج الدفاعي إلى الهجوم، وقد شهدنا هذا في الواقع العملي. وبعملية درع الفرات نجحت تركيا في تدمير الممر الذي كان يقيمه حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا".

ومن المثير للاهتمام والغرابة أن المفهوم الجديد نوقش باستفاضة في وسائل الإعلام التركية، بحيث يعطي انطباعا بأن الحكومة تعمل جاهدة على حشد الدعم من الشعب التركي الذي لا يفضل عادة عمليات خارج الحدود، وذلك بالترويج لعقيدة الأمن الاستباقي بوصفها الأسلوب الوحيد لمكافحة التهديدات التي تواجهها تركيا.

وبموجب هذه العقيدة ينظر الآن إلى إعادة الانتشار الواسعة للقوات العسكرية في تركيا على أنها إجراء عادي، وكانت أحدث خطوة من هذا القبيل نقل لواء المشاة  28 الآلي المدرع المعروف بأنه أفضل وحدات الجيش تجهيزا، ويعمل أيضا في الخدمة الاحتياطية الاستراتيجية،من أنقرة إلى مدينة سيلوبي على الحدود العراقية. كنت قد استنتجتُ في مقال لي في العشرين من أكتوبر/ تشرين الأول أن نقل وحدات قتالية كبيرة إلى سيلوبي سيكون مؤشرا على نية أنقرة الجادة في إنشاء منطقة آمنة شمالي الموصل، لكن إعادة انتشار اللواء 28 لا تعني وحدها أن عملية في العراق باتت وشيكة.

ذكرت مصادر أمنية في أنقرة  ثلاثة أسباب لهذه التغطية الإعلامية الواسعة لإعادة انتشار أبرز ألوية الجيش: الأول هو قرار نقل لواء المشاة 28 الآلي المدرع بعيدا عن العاصمة. وعلينا أن نتذكر أن وحدات اللواء المدرع الثاني ومقرها إسطنبول نقلت إلى مدينة إصلاحية على الحدود السورية بعد محاولة الانقلاب، وتتحدث تقارير عن تحركات مماثلة لإبعاد الوحدات العسكرية، ولاسيما أسراب القوات الجوية من المدن الكبرى إلى مواقع أخرى.

ومن المرجح أيضا أن أنقرة قررت إعادة انتشار قوات الجيش على نطاق واسع لتحسين موقفها في المفاوضات مع الإدارة الأمريكية بتحريك وحدة عسكرية  قوية تتمتع بقدرات هجومية هائلة في حدود 80 ميلا من الموصل.

وأخيرا، علينا أن نضع في حسباننا أن أنقرة تشعر بقلق بالغ من نشاطات حزب العمال الكردستاني في كركوك، واعتزام الميليشيات الشيعية التحرك نحو تلعفر التي تسكنها أغلبية تركمانية.

تريد أنقرة بوضوح أن تكون لديها وحدة عسكرية قادرة ومستعدة ، بحيث يمكن استخدامها في حالة حدوث تغييرات جدية في شمال الموصل وغربها.

على أن القول الفصل سيأتي في ختام المساومة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن. وخلافا للتقارير المثيرة في بعض وسائل الإعلام التركية، فإن وصول اللواء 28 إلى سالوبي لا يشير إلى عملية وشيكة في شمال العراق.

وعلى الرغم من أن أنقرة تحاول تهيئة الرأي العام نفسيا لعملية محتملة في العراق، فإن الواقع ليس بهذه البساطة. هناك فارق كبير بين الرواية، ولاسيما تلك التي تطرحها الحكومة وبين واقع القدرة على تنفيذها. نفهم من قيادتنا السياسية وعلى رأسها أردوغان أن أنقرة لديها مصالح حيوية في سوريا: في مقاطعة عفرين التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبالقرب من مدينة الباب، وفي مقاطعة كوباني شرقي الفرات، وفي محافظة الرقة التي تربط العراق بسوريا، وأخيرا منطقة شمالي الموصل. تتابع أنقرة عن كثب التطورات في هذه المناطق جميعا، وهي عازمة على القضاء على تهديد العمال الكردتساني/ وحدات حماية الشعب هناك قبل أن يقترب هذا التهديد من تركيا.

من حقنا الآن جميعا أن نسأل: هل تستطيع أنقرة أن تسوس هذا المفهوم الجديد؟ ثمة حاجة إلى تحليل سليم لفهم ما إذا كانت القدرات العسكرية التركية كافية لدعم روايتها الطموحة. لا شك في أن كثيرين في بغداد وواشنطن يحاولون الإجابة عن هذا السؤال الحرج. 

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس