بولنت أراس - ناشونال إنتريست - ترجمة وتحرير ترك برس

ظهرت حكومة الرئيس، رجب طيب أردوغان، بوصفها أحد المصفقين لنتائج الانتخابات الأمريكية، وهذا أمر كان متوقعا نظرا لحجم المشاعر المعادية لكلينتون في الصحف التركية الموالية للحكومة التي تخلت كثيرا عن حيادها قبل الانتخابات الأمريكية. وبالإضافة إلى الدعم المالي الذي قدمه تنظيم غولن للجنة العمل السياسي المصطفة مع كلينتون، فقد كانت تلميحات هيلاري كلينتون عن سياستها في سوريا، وأنها ستدعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على حساب تركيا كافية لخوف أنقرة من آفاق الإدارة الديمقراطية. هذه الاتهامات جاءت على رأس اختلافات أنقرة مع إدارة أوباما التي لم تتردد فحسب في دعم أهداف التحول الديمقراطي في المنطقة، ولاسيما في فترة أوباما الثانية، بل إنها بدت مستعدة أيضا لقبول احتمال استيلاء الجيش على السلطة من جانب أتباع غولن قبل بضعة أشهر.

تقبع تركيا في الوقت الراهن في ظل عقلية الحصار، فدخلت الدولة في حملات عسكرية في سوريا والعراق، بينما تخوض في الداخل معركة ضد حزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش، وبدرجة أقل ضد التنظيمات اليسارية، مثل حزب التحرر الشعبي الثوري –جبهة. حتى الآن لم يهز شئ جهاز الدولة كله مثلما هزته المعركة غير المتكافئة ضد أتباع غولن الذين اكتشف أنهم اخترقوا كل أجهزة الدولة والمجتمع المدني بعد جهود دامت أربعة عقود من أجل احتكار السلطة وفقا لأهدافهم المسيحانية بإنشاء نظام في تركيا على غرار نظام الخميني السياسي. تنطوي عملية "التطهير" التي بدأت بعد محاولة الانقلاب الساقط على عمليات تطهير واسعة النطاق داخل الدولة، وكشف عن المخالفات، وتوجيه اتهامات جنائية بالتعاون مع أتباع غولن، وهذه العملية لم تنهك فقط أجهزة الدولة البيروقراطية، بل إن لها بعض التكاليف الاجتماعية، مع تزايد عدم الثقة داخل العمود الفقري المجافظ للمجتمع. أخفق أتبع غولن في تحقيق هدفهم العام بإسقاط حكومة منتخبة، لكن لم تتوقف أنشطة جماعات الضغط التابعة لهم في الولايات المتحدة وفي 160 دولة أخرى يعملون فيها على تآكل سمعة الرئيس، رجب طيب أردوغان، على الساحة الدولية.

وبعيدا عن ديناميات التقلب الداخلي تلك، فإن العلاقات الخارجية التركية في خطر أيضا: أولا ، قطعت أنقرة إلى حد كبير الروابط المؤسساتية مع الجماعة السياسية والأمنية الغربية، حتى وإن لم تتجاوز قط المشاركة الأمنية. ما تزال تركيا في الوقت الحاضر عضوا في حلف الناتو، لكن أحدا لا يمكن أن يؤكد التزام الأطلسي بالأمن التركي، بالنظر إلى أن تركيا تتعرض لتهديد من منظمات إرهابية. ثانيا، تصورات الأمن التركي في حالة تأهب قصوى، نظرا للمنافسة الجيواستراتيجية الجارية في سوريا والعراق. أعطى أردوغان الأولوية لإزالة تهديد حزب العمال الكردستاني بالتوسع على الحدود التركية السورية، لكنه يضع التوسع الشيعي أيضا نصب عينيه. ما يزال مستقبل الحرب على داعش غير معروف، وتتخوف أنقرة من أن يملأ حزب العمال الكردستاني والميليشيات الشيعية الفراغ، ولا سيما في الرقة والموصل. وهكذا يسعى أردوغان بشدة إلى أن ينظر إليه الأمريكيون والروس إلى حد ما، بوصفه شريكا على قدم المساواة في إعادة تشكيل المنطقة، وهذا التشكيل الجديد للمنطقة لم يتحقق في عهد أوباما.

وعلى هذه الخلفية يتوقع أردوغان أن يصطف ترامب مع حكومته في ثلاثة طرق حاسمة:

أولا: يُتوقع من ترامب أن يفتح ملف تسليم زعيم تنظيم الغولنيين، فتح الله غولن، المقيم في ولاية بنسلفانيا. نشر الجنرال مايك فلين أحد الأعضاء الرئيسيين في فريق ترامب الانتقالي الذي عين مستشارا للأمن القومي، مقالا في يوم الانتخابات الرئاسية، وكان المقال متفقا تماما مع توقعات أردوغان بشأن غولن.

ثانيا: يسعى أردوغان إلى شراكة مع الولايات المتحدة في سوريا وربما في العراق، لحصار الأسد وحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى جانب حصار النفوذ الإيراني المتزايد، وهذا يتناغم مع ما قاله الجنرال مايك فلين ضمنيا من دحر "الإسلام المتطرف" بما في ذلك داعش والميليشيات التي تقودها إيران، ودعم الأهداف الجيواستراتيجية التركية. أكد فلين في المقال نفسه أن "تركيا هي أقوى حليف لنا ضد داعش" وهذا يعني أيضا تنشيط الشراكة الأمريكية التركية مع إسرائيل، والملكيات العربية الموالية للغرب، المملكة العربية السعودية والأردن وإمارات الخليج، مع جدل بشأن ضم مصر.

ثالثا: ستشعر تركيا بالراحة برؤية اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا حول القضايا الإقليمية، مع اتباع نهج متوازن يضمن المصالح التركية. توصلت أنقرة أخيرا إلى تقارب مع موسكو، وتسعى إلى التقليل من أهمية عدم ارتياحها للتدخل الروسي الممتد من القرم إلى سوريا. إن تمكن ترامب من تلطيف العلاقات مع بوتين، فإن أردوغان سيسعى إلى إيجاد قاسم مشترك لإعادة السلام والاستقرار إلى جوار تركيا. وعلى أي حال، تعتمد تركيا في تحقيق أهداف سياستها الخارجية على التزام الولايات المتحدة ( وعلى الناتو اعتمادا أكبر) بالحفاظ على الأمن الإقليمي والعالمي. لكن ما تزال هناك أمورا كثيرة غير معروفة حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تدرس بديلا لهيكل الأمن العالمي، بالنظر إلى هواجس ترامب من البنية الحالية لمنظمة حلف شمال الأطلسي.

وعلى الرغم من سقف التوقعات العالية، فإن هناك اختلافات محتملة تلوح في الأفق مع الإدارة الأمريكية القادمة. قد تكون إدراة ترامب أقل صخبا في الحديث عن "القيم المشتركة" وأقل انتقادا للتدابير المتخذة بعد محاولة الانقلاب في تركيا، ومع ذلك فإن الأمر ما يزال يتطلب مزيدا من الإذعان من الجانب التركي لأهداف السياسة الخارجية الأمريكية. نحت دبلوماسية أوباما المريبة المسألة الإيرانية جانبا، لكنها كانت دبلوماسية فعالة متعددة الأطراف، ومن شأن إعادة فتح صندوق الشرور الإيراني أن يزعج تركيا من الناحية المالية والجيواستراتيجية. وعلى حين تتخوف تركيا من من دور إيران في زعزعة الاستقرار، فإنها تعترف أيضا بأهمية إيران في إعادة الأمور إلى نصابها. إن عودة المواجهة مع إيران سيقضي على أي احتمال لانضمام قوة شيعية إقليمية إلى الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهذا من شأنه أن يفتح مزيدا من مخاطر عدم الاستقرار من لبنان إلى اليمن وأفغانستان. وعلى ذلك تحتاج تركيا إلى البحث عن صيغة مثلى مع واشنطون لتحويل إيران إلى لاعب إقليمي مسؤول، وهو ما ينطوي على الاعتراف بالمصالح الإيرانية.

الاتجاه نحو توافق ترامب وبوتين قد يضر أيضا بالمصالح التركية، وذلك إن اتفقا على توزيع النفوذ من أجل إعادة الأمن في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن هذا ما يزال احتمالا بعيدا، حيث إن أوروبا تعد حيوية لكلا الجانبين، ويعد الوجود الروسي في سوريا شاذا، فإن استبعاد المصالح التركية في سوريا والعراق، وبدرجة أقل في منطقة البلقان وشرق المتوسط من شأنه أن يثير رد فعل قوي من المؤسسة التركية.

التلميحات بنهج جديد للولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب" والعلاقات مع العالم الإسلامي تنطوي على فخ  لأردوغان، فتعهد ترامب بشن حرب على "الإسلام المتطرف" قد يذهب إلى أقصى الحدود بمواجهة الإسلام السياسي، وفي هذه الحال سيصطدم بتأييد الحكومة التركية لدمج الجماعات الإسلامية في أنظمة الحكم في المستقبل. وفي هذا الصدد فإن جانبا حاسما من العلاقة بين الغرب والإسلام في عهد ترامب سيكون التعامل مع الأقليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة. تحولت موجة الشعبوية الغربية إلى معاداة الأجانب والمسلمين، الأمر الذي لا يهدد خمسة ملايين تركي في أوروبا فحسب-مثلما رأينا في حملة البركزيت الانتقائية المعادية للأتراك- بل يحمل أيضا مخاطر تقويض الروابط المؤسساتية التركية الغربية وحتى تقويض الروابط مع حلف الناتو.

وأخيرا وليس آخرا، مع المشاكل الناشئة لمؤشرات الاقتصاد الكلي التركي، تتوقع تركيا نظاما تجاريا أكثر شمولا مع الولايات المتحدة، ومزيدا من الاستثمارات الأمريكية لدعم أهدفها التنموية. إن أوفى ترامب بوعده خلال حملته الانتخابية بالتركيز على " أمريكا أولا"  فإن تركيا ستشعر بتأثير انخفاض التجارة والاستثمار بوصفها اقتصادا ناميا.

والخلاصة أن تركيا مستعدة للتعاون مع إدارة تراكب المقبلة على الأهداف الجيواستراتيجة المشتركة. والسؤال هو إلى أي مدى سيدمج الرئيس الجديد مصالح تركيا ومخاوفها في صياغته للمنطقة وللعالم. 

عن الكاتب

بولنت أراس

أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سابانجي التركية، وزميل في مركز ويسلون الدولي بواشنطن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس