ألان ماكوفسكي - مركز موشيه ديان لأبحاث الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير ترك برس

على مدى الأشهر الستة الماضية، ومنذ أن أعلن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ورئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو اتفاقهما على تطبيع العلاقات الثنائية صار من المرجح أن العامل الذي حسم الاتفاق هو التعاون المحتمل في مجال الطاقة. لكن إسرائيل إذا كان ينبغي لها أن تمضي قدما في بناء خط أنابيب لنقل الغاز إلى تركيا، فإنها ستواجه احتمال تدهور علاقاتها ذات الأهمية المتزايدة مع اليونان وقبرص وكذلك مع اليونانيين الأمريكيين.

الطاقة مفتاح تطبيع العلاقات

لم تُذكر الطاقة صراحة في اتفاق تطبيع العلاقات، لكن قبل التوقيع عليه يبدو أن الطرفين توصلا إلى تفاهم غير رسمي بحيث تكون الطاقة عاملا مهما لجدول الأعمال الثنائي. هذا العامل يساعد على تفسير السبب في ترحيب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالاتفاق بعد أن رفض اتفاقا مماثلا له قبل عامين.

وفقا لمسؤول أمريكي كان على ارتباط وثيق بالمراحل النهائية للمفاوضات، فإن إسرائيل لم تتبن اتفاقية التطبيع إلا بعد أن صارت مقتنعة بأن تركيا ستكون أربح الطرق وأكثرها استراتيجية لتصدير الغاز إلى الأسواق العالمية. وبحسب هذا المسؤول، فقد لعبت الولايات المتحدة دورا مهما في توصل إسرائيل إلى هذه النتيجة.

الرغبة التركية الواضحة والآمال الاقتصادية الإسرائيلية تستهدفان حقل لفيتان الإسرائيلي للغاز على ساحل البحر المتوسط. تقدر احتياطيات الغاز المؤكدة لهذا الحقل ب 600 مليار متر مكعب، وبحسب وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتس، هناك ما يصل إلى 22 تريليون قدم مكعب من  احتياطي الغاز في حقل لفيتان والمناطق القريبة منه. وتهدف إسرائيل إلى بدء استخراج الغاز من لفيتان في عام 2019.

التقى وزيرا البلدين للطاقة في ال13 من أكتوبر/ تشرين الأول في أنقرة لبحث آفاق بناء خط أنابيب الغاز تحت الماء، وهو اللقاء الوحيد حتى الآن بين البلدين على المستوى الوزاري منذ بدء عملية التطبيع. ومن الجدير بالذكر أن وزير الطاقة التركي، بيرات البيراق له نفوذ غير عادي في منصبه، وهو صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، ويعد ثاني أقوى شخصية في تركيا.

بعد شهر من لقائه البيراق، أعلن شتاينيتز صراحة "أننا قررنا المضي قدما في خطة لبناء خط أنابيب لتصدير الغاز من إسرائيل إلى تركيا. وبطبيعة الحال فإن التنفيذ سيكون في المستقبل البعيد، فدراسات الجدوى ضرورية والأهم إيجاد مستثمرين لبناء خط أنابيب يصل طوله إلى 300 ميل وتقدر تكلفته بسبعة مليارات دولار، لكن تصريح شتاينيتس يشير إلى وجود قرار أكيد بالمضي قدما في المشروع.

استيراد الغاز من إسرائيل يقلل اعتماد تركيا على روسيا وإيران، أكبر موردين للغاز إلى تركيا. تستورد تركيا أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا، وما يقرب من خمس احتباجاتها من إيران. وذكرت التقارير أن خط الأنابيب الذي يجري بحثه مع إسرائيل يمكن أن يوفر في حدود ما بين 9-12 مليار متر مكعب من الغاز، أي أكثر من خمس الاستخدام الحالي لتركيا. يمكن أن يخصص جزء من الغاز لأوروبا التي تعتمد في الوقت الراهن اعتمادا كبيرا على الغاز الروسي.

مصداقية تركيا

وعلى الرغم من أن بعض الإسرائيليين يشعرون بالقلق من أن ركود الاقتصاد التركي، وشخصية أردوغان وردود أفعاله المعادية لإسرائيل (وهو ما تأكد بقوة في مقابلة أردوغان في الحادي والعشرين من نوفمبر مع الصحفية الإسرائيلية إيلانا ديان) يمكن أن يقوض المشروع، فإن الحكومة الإسرائيلية يبدو أنها لا تشارك هذا التقويم. في الشهر الماضي وصف شتاينيتز الاقتصاد التركي بأنه مستقر جدا وقوي للغاية.

وعلاوة على ذلك، فإن فكرة الإسرائيليين من مؤيدي إقامة خط أنابيب الغاز تشير إلى حقيقة أن إسرائيل تستورد النفط من أذربيجان عبر تركيا منذ سنوات (عبر خط أنابيب باكو تبليسي جيهان) ولم تتدخل تركيا قط في هذه الشحنات حتى في أسوأ فترات التوتر الإسرائيلي التركي. نمت التجارة الثنائية بين تركيا وإسرائيل في الواقع  نموا كبيرا خلال السنوات التي تلت حادثة السفينة مافي مرمرة. وعلى ما يبدو فصلت تركيا العلاقات التجارية بحماية خاصة عن العلاقات السياسية، وبالتالي أوجدت الثقة بأنه على الرغم من التوترات السياسية، فإن خط أنابيب الغاز سيبنى، وأنها ستنفذ التعاقد إلى نهايته.

اللغز القبرصي

لذلك ورغم ما فعلته الحكومتان التركية والإسرائيلية، هل الطريق ميسرة لبناء خط أنابيب الغاز التركي الإسرائيلي؟ على افتراض أن كل شيء يسير على ما يرام، وهو افتراض جرئ في عالم الطاقة، فإن عقبة دبلوماسية واحدة تلوح في الأفق تجعل إسرائيل تواجه خيارا سياسيا صعبا.

هذه العقبة هي المشكلة الدبلوماسية القديمة التي نادرا ما تجذب انتباه وسائل الإعلام الدولية، وهي مشكلة قبرص.

الطريق الوحيدة الممكنة لبناء خط الأنابيب التركي الإسرائيلي بكل الحسابات هو الذي سيجتاز المنطقة الاقتصادية التابعة لقبرص، أو المنطقة الاقتصادية الخالصة، وهذا يعطي قبرص الصغيرة بعض التأثير على سير المشروع التركي الإسرائيلي الضخم. لقد أوضحت قبرص أنها تعارض المشروع، ما لم ينته الاحتلال التركي للثلث الشمالي من الجزيرة، ويعاد توحيد سكان قبرص الأتراك  في الشمال مع القبارصة اليونانيين في الجنوب.

تعكس هذه المعارضة أساسا الاستياء من عدم رغبة تركيا في الاعتراف بالحكومة التي يهيمن عليها القبارصة اليونانيون، ومن مطالبة تركيا بجزء كبير من المنطقة الاقتصادية الخالصة للجزيرة. وربما ترغب قبرص أيضا في استخدام أي تأثير لها على المشروع لإقناع تركيا والقبارصة الأترك كي يكونوا أكثر مرونة بشأن الموضوعات المتعلقة بالمشكلة القبرصية. حل المشكلة القبرصية سيقضي على جميع هذه المشاكل: ستعترف تركيا بالحكومة القبرصية التي تضم القبارصة الأتراك، وبعدها يفترض أن ترسم تركيا وقبرص المناطق الاقتصادية الخالصة الخاصة بكل منهما.

هل يمكن رشوة الحكومة القبرصية؟ ربما. لكن من يفترضون ذلك قد لا يعرفون تماسك الأحزاب القبرصية، ولاسيما عند التعامل مع القضايا التي تمس الاعتراف.

إن سارت إسرائيل وتركيا قدما في مشروعهما، فمن غير الواضح مدى قدرة قبرص على منع إقامة خط الأنابيب. الملاذ الوحيد لقبرص بجيشها المحدود قد يكون الملاذ القانوني. تسمح معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار صراحة " بإقامة خطوط أنابيب تحت البحر في المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة أخرى (المادة 58). على أن الاتفاق يسمح أيضا بشكل مشوش للدولة الساحلية، وهي قبرص في هذه الحالة، بالاعتراض على مسار خط الأنابيب (المادة 79)، وتقدم اعتراضها إلى إحدى الجهات المنصوص عليها في معاهدة البحار، بما في ذلك هيئة تحكيم خاصة ومحكمة العدل الدولية. يقول البعض إن العملية قد تستغرق سنوات، ما قد يجعل مشروع الأنابيب يبقى حبيس الأدراج. وفي الواقع فإن اعتراضات قبرص القوية قد تنفر المستثمرين المحتملين الذين قد يترددون في تبني المشروع في مياه متنازع عليها.

وبطبيعة الحال إذا حلت المشكلة القبرصية، يمكن بالمثل سحب الاعتراض القبرصي على إنشاء خط الأنابيب. تملك قبرص حقلا صغيرا للغاز الطبيعي (تقدر احتياطياته المؤكدة ب 125 مليار قدم مكعب)، وربما ترغب في ربطه بالخط التركي الإسرائيلي وتصدير الغاز عبر تركيا أيضا عند التوصل إلى تسوية للمشكلة القبرصية. وقد تكون المفاوضات حول كميات الغاز وسعره هي الحلقة الأخيرة من الحل المفترض للمشكلة القبرصية.

على أن فرص نجاح التوصل إلى حل للمشكلة القبرصية ضعيفة في أحسن الأحوال. تجري مفاوضات إعادة توحيد الجزيرة وتتوقف منذ عام 1975، وهناك تفاؤل في الوقت الحاضر أكثر من المعتاد بشأن احتمالات النجاح، ولكن تبقى فجوات كثيرة في مواقف الطائفتين القبرصية التركية واليونانية، ويبدو بعضها مستعصيا على الحل.

العلاقات الإسرائيلية اليونانية

إن مضت تركيا وإسرائيل قدما في مشروع خط الأنابيب على الرغم من اعتراضات قبرص، فإن إسرائيل تعرض علاقاتها الوثيقة المتنامية مع قبرص وجارتها الشقيقة اليونان للخطر. بدأت هذه العلاقات تتطور تطورا ملحوظا بعد أن تسببت حادثة السفينة مافي مرمرة  في تدهورالعلاقات مع تركيا.

خلال السنوات الأخيرة أجرت إسرائيل تدريبات جوية في كل من اليونان وقبرص، كما أجرت تدريبات جوية وبحرية مشتركة مع اليونان. يجتمع قادة الدول الثلاث بانتظام، كان آخرها الاجتماع الذي عقد في وقت سابق من هذا الشهر في إسرائيل. وعلاوة على ذلك كانت اليونان وقبرص عونا لإسرائيل في مراكز صنع القرار السياسي داخل الاتحاد الأوروبي.

وتطويرا لهذه العلاقة بدأت جماعات الضغط من الأمريكيين اليونانيين ومعظم الأمريكيين اليهود المؤيدين لإسرائيل في التعاون الذي وصل إلى درجة جديدة غير مسبوقة، وفي إشارة للتضامن مع إسرائيل انضم بعض الأمريكيين اليونانيين إلى جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في الضغط ضد الاتفاق النووي مع إيران العام الماضي. يمكن أن تنتهي كثير من أوجه التعاون تلك إذا واصلت تركيا وإسرائيل مشروع خط الأنابيب دون تحقيق تسوية للمشكلة القبرصية.

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن إمكانية إقامة خط أنابيب بين تركيا وإسرائيل دون تسوية القضية القبرصية يمكن أن يخلق مشاكل. سترحب الولايات المتحدة من ناحية بتعزيز الاستقرار بين تركيا وإسرائيل الذي يحققه خط الأنابيب. وعلاوة على ذلك طلبت الولايات المتحدة منذ مدة طويلة من تركيا وأوربا تحفيف اعتمادها على الطاقة الروسية. لكن من ناحية أخرى فإن هذه المسألة يمكن أن تنتهي  نهاية سيئة في واشنطون، حيث تشعر الإدارات الأمريكية بحساسية تجاه مخاوف الأمريكيين اليونانيين، وحيث سينقسم أعضاء الكونغرس بين الدعم التقليدي لكل من إسرائيل واليونان. يمكن لهذه المسألة أيضا أن تضع الولايات المتحدة التي تُعد لمدة طويلة بطل حل المشكلة القبرصية في وضع غير مريح بتأييدها مشروعا يغضب القبارصة اليونانيين، وهذا يجعل احتمالات التوصل إلى حل للمشكلة القبرصية أكثر بعدا.

لا توجد أي إشارة على أنه إذا حلت المشكلة القبرصية، فإن اتفاق إنشاء خط الأنابيب سيكون سهلا. ومن الصعوبة بمكان الجمع بين صفقات الغاز، ومن الممكن أن تخرج عن مسارها بسبب قوى السوق أو عدم وجود ثقة متبادلة. في المقام الأول يمكن أن يكون التحدي الهندسي لبناء خط أنابيب في المياه العميقة بطول 300 ميل عائقا مستعصيا لا يمكن تخطيه، وعلاوة على ذلك يمكن لطرف ثالث أن يخلق مشاكل، وفي هذه الحالة قد يكون لدى مصر وروسيا مخاوف من خط الأنابيب التركي الإسرائيلي.

لا شيء مما ذكر آنفا يشير إلى أن تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية يمكن أن يفقد أي قيمة إذا أخفق تنفيذ خط الأنابيب. الآن وقد تحقق تطبيع العلاقات يفترض أن كلا الجانبين يريد الحفاظ على العلاقات مهما كانت الظروف. يعزز تطبيع العلاقات الاستقرار الإقليمي، ويفتح قنوات الاتصال على جميع قنوات الاتصال المجتمعية، ويدعم التبادل التجاري الثنائي المزدهر بالفعل، ويخلق فرصة لتركيا وإسرائيل للتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة، مثل داعش وربما إيران.

على أن الطاقة تبدو عامل تقريب لهذا التوافق الإسرائيلي التركي. عندما يلتقي المفاوضون الأتراك القبارصة واليونانيون القبارصة في اجتماعهم المقبل في 9-12 يناير/ كانون الثاني في جنيف، سيولي الخبراء في قطاع الطاقة في إسرائيل وتركيا وفي أماكن أخرى هذا اللقاء اهتماما غير عادي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس