برهان الدين دوران - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

أدى إرهاب داعش في الساعات الأولى من السنة الجديدة إلى مقتل 39 شخصًا في مطعم رينا في منطقة أورتاكوي. فقد أقدم إرهابي محترف ذو خبرة ميدانية على ارتكاب مجزرة بلا شفقة بواسطة كلاشينكوف. ويعد هذا الاعتداء بالنسبة إلى الفترة الأخيرة إضافة جديدة إلى العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة المستخدمة من قبل بي كي كي وداعش. وما فرضته الحالة المستفحلة باغتيال من نمط تنظيم فتح الله غولن مذكرًا بمقتل السفير كارلوف. وبالرغم من حداثة هذا الأسلوب على بلادنا فقد تعرضت كل من باريس وأورلاندو ونيس لاعتداءات مشابهة. ومن المستبعد توقف ذلك في ظل انعدام التعاون الفعال لدى المجتمع الدولي في موضوع محاربة الإرهاب ومواصلة استغلال التنظيمات الإرهابية في حرب الوكالة. وكما أكد رئيس الوزراء يلدريم أن جميع الدول مستهدفة، وليست هناك أي دولة آمنة.

في حين أدى تصاعد غضبنا من تعرض بلادنا للإرهاب بكثرة إلى إيجاد جدل حاد في مواضيع تتعلق بأسباب الإرهاب، والمسؤولين عنه وكيفية محاربته. ولكن الواضح هو أن الإخفاق في التشخيص الصحيح يخدم أهداف الإرهاب. لذلك لا بد من تقديم البراهين على نحو جيد. وبخاصة مع تعرض تركيا لاعتداءات إرهابية أكثر مما سبق. ويكمن السبب الرئيسي للوقوع في أزمة تجاوزت قدرة تركيا بكثير في عدم تعاملنا مع موجة الإرهاب والفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية السورية بالشكل المناسب.

وبما أن السياسة العدائية في إلصاق المجزرة بالسلطة باتهامها "بالإسلامية والرجعية" يمثل الطريق الأسهل لإلقاء اللوم، فإننا بحاجة إلى نقاش أكثر عقلانية وطويل الأمد.   

وعلينا الإدراك مرة أخرى أن الإرهاب لم يكن أصماً وأعمى وعشوائي. وذلك بالقدرة على تحليل استراتيجية كافة التنظيمات الإرهابية التي نحاربها. ومراعاة التوازنات الإقليمية وردود أفعال الوكلاء بالمنطقة أيضاً. والأهم ضبط التوترات السياسية لدى الرأي العام الداخلي. لأن غاية الإرهاب باستهدافه الاحتفال بليلة رأس السنة ليس "العلمانية" أو "نمط الحياة". بل تقسيم المجتمع بالتمييز بين العلماني والمتدين واستهداف نمط حياتهم. وبتعبير آخر، التوجه نحو تعميق هوة الخلافات داخل هذا البلد الكبير.

وبالتالي استهداف تركيا بمستقبلها ومؤسساتها وجميع قيمها. واستغلال مهاجمة التنظيمات الإرهابية لتركيا بشكل يلائم الأدوات الداخلية، وبما يوافق مصلحتها.

ومثال على ذلك إدعاء البعض أن داعش المسؤولة عن المجزرة بمهاجمة نادٍ ليلي بسبب "السلطة السنية" تعتقد أن حكومة حزب العدالة التنمية "مرتدة" و"حامية للمسيحيين" و"خادمة للصليبيين".  

ونتيجة لاستمرار الظرف الذي أفسح المجال للتنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق أصبحنا مرغمين على جعل محاربة الإرهاب أولى أولوياتنا. وسيستمر ذلك حتى تتمكن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وبقية القوى الإقليمية من إنهاء الصراع في كلا الدولتين وخلق بيئة لإقامة كيان جديد فيهما. ولهذا تحارب تركيا بكل قوة في المنطقة وعن طريق المفاوضات من أجل توفير هذه البيئة.    

ويشمل هذا الهدف عملية درع الفرات وعملية أستانة. غير أن مشكلتنا ليست في سياستنا النوعية تجاه كلا الدولتين. بل في تأجيج مؤقت لبعض المشكلات بينما يجري حل البعض الآخر عند كل اختبار نقدم عليه.  

ففي السابق ادّعوا وجود الإرهاب نتيجة عدم محاربتنا لداعش أما الآن يقال أن سبب وجوده هو محاربتنا للتنظيم. فقد سبق ودفعنا ثمناً باهظاً حتى تبين استحالة عدم التدخل. وقد انعكس ذلك الوعي بحديث الرئيس أردوغان عن "تجفيف مصادر الإرهاب".     

وبالطبع لن يتحقق ذلك بتقديم الاقتراحات "البراقة". بل بإيجاد "تسوية" في سوريا مع وحدات حماية الشعب الكردي وإجلاس بي كي كي على طاولة المفاوضات.

ولكن لا أعلم ماذا نقول لأولئك الذين ما يزالون غير مدركين كيف ستتحول دولتنا إلى فوضى عارمة نتيجة الكانتونات التي أقامها بي كي كي المنزعج من عملية السلام.

والخلاصة، إن هدف الإرهاب في رينا ليس "نمط حياتنا" بل "رفضنا للهزيمة وتقسيمنا" عبر مناقشة ذلك.

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس