متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

سألت المونيتور دبلوماسيا تركيا مخضرما عن حالة العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، فأجاب طالبا عدم الكشف عن هويته "إن العلاقات على أرض الواقع ليست دافئة، والتطورات الدبلوماسية لا تتوقف، وهناك حالة من التقلب والغموض وأزمة الثقة تسيطر على العلاقات، ولذلك فمن المؤكد أنها أسوأ أزمة دبلوماسية بين البلدين منذ عام 2003".

من الواضح بعد الاستماع إلى وجهة نظر مماثلة من مصادر عدة في أنقرة أن الخلاف بين أنقرة وواشنطن بشأن الأزمة السورية صار أزمة في حد ذاته، وهو خلاف يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة على الأرض وعلى الساحة الدبلوماسية.

تستغل موسكو ببراعة حال شبه الشلل التي تمر بها صناعة القرار الأمريكي في انتظار تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب في العشرين من يناير/ كانون الثاني، فالتعاون الروسي التركي الذي تجسد بوضوح في إخلاء جماعات المعارضة من حلب همش الولايات المتحدة وأوروبا، وبعد هذه الخطوة ضمنت موسكو وأنقرة وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا بدءا من الثلاثين من ديسمبر/ كانون الأول.

وعلى الرغم من أنه من غير الواضح ما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار، ومن الذي يشرف عليه، فقد وافق النظام السوري على الالتزام به والمشاركة في المحادثات المقترحة في الأستانة عاصمة كازخستان، وهذه إشارات واضحة على موافقة الأسد على المبادرة الروسية التركية.

يتجلى التعاون بين أنقرة وموسكو أيضا في البيان الذي أصدرته قيادة الجيش التركي عن قصف سلاح الجو الروسي أهدافا لتنظيم داعش جنوبي مدينة الباب في شمال سوريا في ال28-29 من ديسمبر، وذلك دعما لعملية درع الفرات التي تشنها تركيا. وهذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها روسيا دعما جويا لعملية درع الفرات المستمرة منذ 130 يوما، وقتل فيها 40 جنديا تركيا.

تحاول تركيا بمساعدة من الجيش السوري الحر طرد داعش من مدينة الباب منذ 40 يوما، وقد وصل الهجوم في الوقت الحالي إلى مرحلة دقيقة. انطلقت عملية درع الفرات في ال24 من ديسمبر بـ600 جندي (عبارة عن كتيبتين ميكانيكيتين ومن 10-12 فرقة خاصة) في حين يبلغ قوام القوات التركية اليوم 4000 جندي. ومن خلال النسق الحالي للمعركة حول الباب من الواضح أن قوة الجيش التركي تجاوزت الجيش السوري الحر الذي كان يفترض أن يكون القوة البرية الأولى في المواجهة مع داعش، لكن القوات التركية الخاصة تشترك في القتال على خط المواجهة مع داعش.

تحاول القوات التركية دخول الباب من ست نقاط في شمال المدينة وغربها، أي أن الحصار ليس محكما، حيث إن شرق الباب وغربها ما يزالان مفتوحين ويمكن لداعش أن ينسحب منهما بسهولة مثلما يفعل في الموصل، لكن يبدو أنه مصمم على البقاء والقتال، فقد أجلى عائلات المقاتلين من المدينة واستقدم تعزيزات من الرقة، ما يشير بالـتأكيد إلى أنه سيتشبث بالباب. وعلاوة على ذلك فإن جيش النظام السوري الذي انتزع السطرة على حلب أخيرا يتمركز بالقرب من الباب، ويتجنب  الجيشان التركي والسوري الاحتكاك حتى لا يقع صدام، لكن  خطر الصدام ما يزال قائما.

حصار مدينة الباب يجعل الجيش التركي ثالث قوة تقليدية في العالم تشارك في الحرب الفعلية على داعش. وإذا كانت الأحوال الجوية السيئة في مدينة الباب لم تسمح إلا بعمليات جوية محدودة فضلا عن وجود تقارير عن مشاكل في الإمدادات والدعم، فإن أنقرة مصممة على الاستيلاء على الباب، ويبدو أن موسكو قد اقتنعت بذلك مثلما يظهر في تقديمها للدعم الجوي أخيرا. في المقابل لا يساهم التحالف الذي تشكل لمحاربة داعش بعمل أي شيء في العمليات التركية في الباب، وهي العمليات التي ألحقت حسائر فادحة بداعش وقصمت ظهره.

ونظرا لطول حصار مدينة الباب اتسعت الأزمة بين أنقرة وواشنطن، ففي السابع والعشرين من ديسمبر أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده لم تحصل على الدعم الكافي من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، واتهم قوات التحالف بدعم داعش ووحدات الحماية الشعبية الكردية، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وقال "سنقطع الحبل السري بأنفسنا، ونقطع العلاقات مع التحاالف".

جاء رد الولايات المتحدة في الثامن والعشرين من ديسمبر ببيان قوي غير معتاد أصدرته السفارة الأمريكية في أنقرة قالت فيه إن الإدارة الأمريكية لا تدعم داعش، ولم تزود الواي بي جي ولا البي كي كي بالأسلحة أو المتفجرات. كان هذا أول بيان من هذا النوع يصدر عن السفارة الأمريكية، الأمر الذي أثار رد فعل قوي من قبل الرئيس أردوغان، فقال في اليوم التالي "لم نحصل على أي دعم ولو ضئيل في عمليتنا في مدينة الباب من حلف الناتو أو مما يسمى الدول الحليفة التي تملك قوات في المنطقة".

تتباين أهداف الولايات المتحدة وتركيا تباينا كبيرا، وتتفاقم أزمة الثقة بينهما، ولذلك فمن غير الممكن أن ينسقا أي عملية في الرقة، وهذا هو السبب في أن قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد علقت هجماتها في الرقة، ويبدو الآن أن نتيجة عملية درع الفرات ومستقبل الباب سيقرران مستقبل مدينة الرقة.

وعلاوة على ذلك فإن إعلان موسكو الذي وقعت عليه إيران وروسيا وتركيا في العشرين من ديسمبر يقر بوحدة الأراضي السورية، ولا يقبل بمطالب حزب الاتحاد الديمقراطي بحكم ذاتي في شمال سوريا، وبعبارة أخرى فإن تركيا لو سيطرت على الباب، فإنها ستضطر إلى تسليمها إلى الحكومة السورية، كما أنه من المرجح أن تقع أزمة وشيكة حول مدينة منبج التي ما يزال يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم من الولايات المتحدة، على الرغم من مطالب تركيا المستمرة بانسحاب الأكراد منها.

والسؤال هو لماذا تتشدد أنقرة على واشنطن؟

هناك أربعة أسباب لذلك: الأول هو نظرة الرئيس باراك أوباما، لحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بالبي كي كي بوصفه الحليف المحلي في محاربة داعش، وهو ما تراه أنقرة على أن أوباما يفضل البي كي كي عليها.

السبب الثاني هو السياسة الداخلية، فعلى الرغم من جميع قضايا السياسة الخارجية والمسألة السورية، فإن أجندة السياسة الخارجية التركية في الأشهر الأولى من عام 2017 ستكون مثيرة للخلاف حول انتقال الحكم في سوريا، ومن ثم فإن أي نجاح في قضايا السياسة الخارجية أو إخفاق سيستغل في السياسة الداخلية.

السبب الثالث هو رغبة أنقرة في الضغط على الإدارة المقبلة لترامب بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي والبي كي كي قبل العشرين من يناير، بهدف إجبار إدارة ترامب على الاختيار بين دعم تركيا أو حزب الاتحاد الديمقراطي، وبالتالي إجبار واشنطن على وقف دعمها لهذا الحزب.

السبب الأخير هو روسيا، فبهذا الخطاب الصارم تجاه إدارة أوباما تسعى أنقرة إلى مأسسة تحالفها المتنامي مع روسيا، ومن المرجح أن تقترح أنقرة أن تطلق موسكو مبادرة كبرى في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة للعشرين من يناير. تحتاج موسكو إلى أنقرة لكي تدخل الاتحاد الأوروبي والتانو في أزمة نتيجتها غامضة. إن غيرت تركيا توجهها الجيو سياسي (المتمثل في الناتو) والجغرافي والاقتصادي (المتمثل في الاتحاد الأوروبي) فإنها ستسرع وتيرة التغييرات التكتونية التي اقترحتها موسكو في المنطقة، وبعبارة أخرى فإن ما يسعد روسيا ببساطة أن تركيا خلقت متاعب في منظومة الأمن الغربي.

وعلى ذلك فليس من المستغرب أن تصوب موسكو وواشنطن وطهران وأنقرة اهتمامها إلى الباب. ويبقى السؤال كيف سيكون أداء الجيش التركي هناك؟ وكيف ستتعامل البدلوماسية التركية مع نجاح الجيش أو إخفاقه هناك؟ سنعرف ذلك قريبا جدا.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس