قادير أوستون - مركز سيتا للدراسات السياسية والاقتصادية - ترجمة وتحرير ترك برس

أطلق حزب العدالة والتنمية في نهاية هذا الأسبوع الحملة الرسمية "نعم" للتغييرات الدستورية للانتقال إلى النظام الرئاسي.

يمثل الاستفتاء المقرر في 16 أبريل/ نيسان تتويجا لعملية بدأت مع الأزمة الدستورية في عام 2007، ففي ذلك الوقت عارضت البيروقراطية العسكرية والمدنية ترشيح قيادة حزب العدالة والتنمية للرئاسة، وذلك باشتراطها وجود نصاب الثلثين في البرلمان وحصول المرشح على 376 من الأصوات.

كانت رغبة المؤسسة العسكرية واضحة، فالمرشح الذي ترتدي زوجته الحجاب ليس له مكان ليكون رئيسا للجمهورية، ولذلك توجه حزب العدالة والتنمية إلى الشعب عبر انتخابات مبكرة، وعاد فائزا بها، وبترشيح عبد الله غُل لرئاسة الجمهورية.

ولحل الأزمة الدستورية فتح تغيير دستوري لاحق الطريق للانتخاب الرئيس عبر الاقتراع الشعبي المباشر بدءا من نهاية ولاية الرئيس عبد الله غُل التي استمرت سبعة أعوام. ومن المفارقات أن الأزمة الدستورية التي أوجدتها المؤسسة العسكرية أثمرت أول رئيس منتخب شعبيا.

في نظام ما قبل عام 2007 كان مقررا أن يكون مكتب الرئيس جزءا من المؤسسة التي تمنع الحكومات المنتخبة التي يقودها رئيس الوزراء من امتلاك القدرة الفعلية، لكن بعد أن صار انتخاب الرئيس بالاقتراع الشعبي المباشر لم يعد من الممكن التمسك بهذه البنية.

يطلق المرشحون للرئاسة حملات سياسية على أساس برامج سياسية ووعود انتخابية للشعب، أما في السابق فقد صمم النظام لإعطاء الرئيس صلاحيات واسعة لمراقبة الحكومة المنتخبة شعبيا لصالح المؤسسة، وبعبارة أخرى كان مقررا أن يعرقل مكتب الرئيس السلطة التنفيذية، ولا سيما عندما تتعرض مصالح المؤسسة وأيديولوجيتها للتهديد.

لكن مع التغييرات المقترحة سيتولى الرئيس دورا تنفيذيا، ويكون ممثلا لأغلبية الشعب وليس المصالح الضيقة لمؤسسة الحكم على النحو المتخيل في دستور 1980.

منذ انتخاب الرئيس أردوغان بالاقتراع المباشر عام 2014 كان للنظام السياسي رئيسان منتخبان للحكومة تتداخل صلاحياتهما، الأمر الذي وضع ضغوطا على النظام السياسي في تركيا، وهذا الوضع لا يمكن الدفاع عنه حتى عندما يكون الرئيسان المنتخبان من نفس الحزب. وعلى ذلك فقد صار من الضروري تغيير الدستور لحسم مسألة توزيع الصلاحيات بين مكتبي الرئيس ورئيس الوزراء.

يهدف استفتاء 16 أبريل إلى الرد على هذا التعارض، لا سيما أن المحاولات المتتالية لكتابة دستور مدني خالص في البرلمان قد أثبتت عدم نجاحها، وقد أدى إخفاق الجهود السابقة لوضع دستور جديد من نقطة الصفر إلى جعل هذا التغيير الدستوري التدريجي أمرا ضروريا. وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت محاولة الانقلاب الساقط في يوليو/ تموز 2016 مرة أخرى أن السيادة المدنية على الوصاية البيروقراطية القديمة لم تكتمل بعد. يعد استفتاء 16 أبريل بإلغاء الدور الذي منحه دستور انقلاب 1980 للرئيس، حين جعل منه حاميا للوضع الراهن والنخب القديمة، كما يعد بإلغاء دوره المعادي للديمقراطية.

وليس من قبيل المصادفة أن كثيرا من القادة السياسيين الأتراك دعوا في الماضي إلى التحول إلى النظام الرئاسي، لكن ذلك لم يكن ممكنا لافتقارهم لدعم سياسي مماثل لما يحظى به حزب العدالة والتنمية.أدرك هؤلاء القادة أن الحكومات المنتخبة شعبيا أُقصيَت عن القضايا الرئيسية في البلاد، وخاصة في مجال الأمن القومي والسياسة الخارجية. لن تسمح وصاية البيروقراطية العسكرية والمدنية للحكومات المدنية بالحكم، على الرغم من أن هذه الحكومات تضطر إلى مواجهة الناخبين في الانتخابات.

يمثل استفتاء 16 أبريل نقطة تحول في السباق الخطير بين المؤسسة والإرادة الشعبية، وإن انتخب الرئيس عن طريق التصويت الشعبي، فعندئذ يجب السماح له بتنفيذ السياسات، وأن يكون مسؤولا أمام الشعب في الانتخابات، إذ لا معنى لأن يكون الرئيس المنتخب شعبيا حصنا لنظام الوصاية القديم ضد الحكومات المنتخبة شعبيا.

مُرّرت التغييرات الدستورية الأخيرة لأن الناخبين الأتراك أدركوا في المقام الأول أن دستور انقلاب 1980 لم يكن مصمما للسماح للإرادة الشعبية بأن تتجسد في الحكومة، ومن ثم فإن استفتاء 16 أبريل هو فرصة أخرى لإصلاح نظام الحكم، وجعله أكثر عرضة للمساءلة من الشعب. تعطي معظم استطلاعات الرأي الأخيرة "نعم" هامش تقدم، على الرغم من أن حملة نعم في بداية انطلاقها. إنْ وافق الناخبون على التغييرات الدستورية المقترحة، فستكون أكبر تغييرات تجريها تركيا على نظام الحكم منذ عام 1980.

لقد أعاق نظام الوصاية الذي صممته النخب العسكرية والبيروقراطية تركيا كثيرا، وذلك في شكل انقلابات عسكرية كان آخرها محاولة الانقلاب الساقط في يوليو/ تموز2016، كما أدى إلى أزمات دستورية كتلك التي شهدتها البلاد في 2007، ولذلك فإن التغييرات المقترحة في استفتاء 16 أبريل ستساعد في تثبيت السيادة المدنية على النظام السياسي، وعلى منع الأزمات الدستورية، والقضاء على الارتباك البيروقراطي الناجم عن وجود قائدين منتخبين على رأس الدولة. سيمنح الاستفتاء تركيا فرصة لإصلاح المؤسسات السياسية، والتخلص من هياكل الحكم ذات طابع الوصاية القديم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس