ماري جيغو - لوموند - ترجمة وتحرير ترك برس

بهدف إعاقة تقدم الجيش التركي وحلفائه من الجيش السوري الحر في شمال سوريا، أقدمت الميليشيات الكردية المسماة بوحدات حماية الشعب الكردي على التحالف مع النظام السوري.

في الواقع، سيعمق هذا التحالف المعاكس للمنطق، من الانقسامات والتشظي بين الأطراف المتدخلة في الصراع السوري. كما أن ذلك ينذر بمواجهة عسكرية محتملة بين فصيلين سوريين مدعومين من قبل الولايات المتحدة، وهما الجيش السوري الحر وقوات سوريا الديمقراطية، التي تمثل في الواقع خليطا كرديا وعربيا مدعوما من الغرب.

في الحقيقة، تم الإعلان عن هذا الاتفاق الجديد يوم الخميس، الثاني من آذار/ مارس، من قبل المجلس العسكري في مدينة منبج، التي تمثل بوابة استراتيجية على الطريق الرابطة بين تركيا والرقة، التي يتخذها تنظيم الدولة (داعش) عاصمة له. وقد ورد في هذا البيان: "نحن المجلس العسكري لمدينة منبج، نعلن أننا توصلنا إلى اتفاق مع روسيا من أجل تسليم القرى الواقعة على خط المواجهة مع قوات "درع الفرات"، إلى حرس الحدود التابعة للدولة السورية"، علما وأن عبارة "درع الفرات" تشير إلى العملية العسكرية التي تقودها تركيا في شمال سوريا.

وفي الأثناء، تعتبر مدينة منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية منذ أغسطس/ آب 2016، هدفا مهما لأنقرة. وقد أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في العديد من المناسبات أن الهدف المقبل لقواته بعد السيطرة على مدينة الباب التي كانت معقلا لتنظيم الدولة في السابق، بتاريخ 23 شباط/ فبراير، يتمثل في دخول مدينة منبج الواقعة على بعد حوالي 40 كم نحو الغرب.

وفي السياق نفسه، تصر أنقرة على ضرورة طرد الميليشيات المسماة بوحدات الشعب الكردي، بسبب ارتباط هذه الأخيرة بتنظيم حزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم كردية متمرد، لديه العديد من الأهداف الانفصالية التي يعمل على تحقيقها باستعمال العنف ضد الدولة التركية، منذ 30 سنة (وهو مدرج على لائحة الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي). وفي هذا الصدد، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أن "منبج هي مدينة عربية وليست كردية".

وبغية التصدي لتقدم هذه الميليشيات الكردية، دخل الجيش التركي إلى شمال سوريا في أغسطس/ أب من سنة 2016، بعد أيام قليلة من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على مدينة منبج، التي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الأساسي داخل المدينة والمسيطر عليها.

والجدير بالذكر أن قوات سوريا الديمقراطية قد تمكنت من السيطرة على هذه المدينة بفضل مساعدة المستشارين العسكريين الأمريكيين، والدعم الجوي من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. في المقابل، أبدت الحكومة التركية رفضها لهذه التحركات، مما دفعها لاتخاذ قرار بالتصدي لهذه المليشيات الكردية ودفعها إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، علما وأن مدينة منبج تقع في الضفة الغربية.

وفي الثاني من آذار/ مارس، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من جديد على أن "تركيا حذرت سابقا من أنها ستوجه ضربات لوحدات حماية الشعب الكردي إذا ما لم تتراجع". رسالة التهديد هذه وصلت إلى الجهة المعنية، حيث قام المجلس العسكري في المدينة، بعد وقت قصير من اليوم نفسه، بإعلان تسليم مقاليد الحكم في القرى المحاذية لمناطق تواجد القوات التركية والجيش السوري الحر، إلى قوات النظام السوري.

ومن المثير للاهتمام، أن هذه الميليشيات تهدف من خلال هذه الخطوة لأن تمنع، بأي ثمن، التقدم التركي في المنطقة، خاصة وأنه، من هنا فصاعدا، سيعتبر أي هجوم على هذه القرى من قبل أنقرة بمثابة إعلان حرب على النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق تم برعاية روسيا، على الرغم من أن الرئيس أردوغان من المتوقع أن يتوجه يومي التاسع والعاشر من الشهر الجاري إلى موسكو، وهو ما يعكس الوضعية المعقدة التي يشهدها الكرملين، المنقسم بين حلفائه التقليديين، سوريا وإيران، وحلفائه الجدد في الحرب على تنظيم الدولة (داعش)، وهما بالأساس تركيا والولايات المتحدة.

في الواقع، تدخلت موسكو في منتصف شهر شباط/ فبراير، بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة المدعومة من أنقرة، من أجل إقامة خط آمن جنوب مدينة الباب، من شأنه أن يفصل بين مختلف هذه القوات التي كانت تستعد للاشتباك بهدف السيطرة على هذه المدينة.

معطيات جديدة

تنظر الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية على أنها حليف موثوق يمكن التعويل عليه في الحرب ضد الإرهاب، ولذلك خيرت واشنطن التزام الصمت حيال هذا الإعلان. وفي يوم الجمعة 3 آذار/ مارس أعلن المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيس، عن إرسال قافلة مساعدات إنسانية إلى منبج، بالاتفاق مع روسيا والأسد. وفي هذا الصدد، أفاد ديفيس بأن "هناك قافلة مساعدات إنسانية مدعومة من قبل روسيا ونظام الأسد تتجه نحو منبج، وهي تتكون من عربات مصفحة".

في الحقيقة، تخدم هذه المعطيات الجديدة مصالح الإدارة الأمريكية، التي تعي جيدا أن اندلاع أي مواجهة جديدة في شمال سوريا، بين الأكراد والأتراك، وبين قوات سوريا الديمقراطية والجيش السوري الحر، سيشوش على جهود محاربة تنظيم الدولة (داعش)، وتفشل المخططات التي يتم تجهيزها الآن لاستعادة مدينة الرقة. فعلى الميدان تعددت الاشتباكات بين الأتراك والجيش السوري الحر من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى. وفي يوم الجمعة الماضي أعلنت قوات سوريا الديمقراطية أنها تعرضت لهجوم من قبل الجيش السوري الحر في منبج.

من جانب آخر، قد يهدد غياب أية ردة فعل أو تعليق من قبل قوات الولايات المتحدة على هذا الاتفاق الجديد بين نظام الأسد وميليشيا وحدات حماية الشعب الكردي، بمزيد من تعكير العلاقات الأمريكية التركية. فمنذ أشهر يعمل الرئيس التركي أردوغان على الضغط على حلفائه الأمريكيين ليوقفوا دعمهم للميليشيات الكردية المصنفة على أنها جماعات إرهابية. ومع وصول ترامب للبيت الأبيض تنامت توقعات أنقرة في هذا الصدد، إلا أن المباحثات الثنائية بين هذين البلدين، المنتمين لحلف الناتو، لم تفض لنتيجة ملموسة.

رسالة

من وجهة نظر تركيا، يعد الجيش التركي والجيش السوري الحر الأقدر على قيادة الحملة لاستعادة الرقة، وبالتالي لا يجب الاعتماد على الميليشيات الكردية. ولكن هذه الرسالة التي أوصلها وفد تركي قدم إلى واشنطن في 13 و14 من شباط / فبراير الماضي، بقيادة الدبلوماسي أوميت يلسين، لم تجد آذانا صاغية.

ومن إدارة إلى أخرى، يتواصل الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية في سوريا، وقد ذكر الجنرال تاونساند، قائد القوات الأمريكية في سوريا والعراق، في تصريح له في غرة الشهر الجاري أن "هناك عددا لا بأس به من الأكراد الذين يمكنهم المشاركة في الهجوم على مدينة الرقة، بما أنه لا يوجد دليل ملموس على أنهم يمثلون تهديدا أو أنهم شاركوا في هجمات ضد تركيا انطلاقا من شمال سوريا في السنتين الأخيرتين".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس